حكم بالسجن على رئيسة غاغاوزيا يثير جدلاً واسعًا في مولدوفا
سجن رئيسة غاغاوزيا يشعل أزمة سياسية في مولدوفا بين الحكم الذاتي والولاء لروسيا

في تطور قضائي مفاجئ يحمل أبعادًا سياسية معقدة، أصدرت محكمة في العاصمة المولدوفية كيشيناو حكمًا بالسجن لمدة سبع سنوات بحق يوجينيا غوتسول، رئيسة منطقة غاغاوزيا ذات الحكم الذاتي، وذلك بتهم تتعلق بتمويل غير مشروع لحزب المعارضة المثير للجدل “شور” (Șor). وقد أثار الحكم فور صدوره موجة من ردود الأفعال المتباينة على الساحة الداخلية، بين من اعتبره انتصارًا لسيادة القانون، ومن رآه تصفية حسابات سياسية بحق زعيمة تمثل أقلية قومية تعاني من التهميش التاريخي.
تنفيذ فوري للحكم وسط حضور أمني مشدد
بحسب ما أفادت به محاميتها ناتاليا بايرام لوكالة “تاس” الروسية، فإن الحكم الصادر ضد غوتسول يشمل تنفيذًا فوريًا دون استئناف تأخيري، حيث ستُقتاد مباشرة من قاعة المحكمة إلى مكان احتجازها لبدء تنفيذ العقوبة. وقد شهدت المحكمة منذ الصباح إجراءات أمنية مشددة، مع انتشار مكثف لعناصر الشرطة، وسط تواجد أنصارها الذين احتجوا على ما وصفوه بـ”محاكمة سياسية صورية”.
من هي يوجينيا غوتسول؟
تُعد غوتسول واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في جنوب مولدوفا، إذ ترأس السلطة التنفيذية في منطقة غاغاوزيا ذات الحكم الذاتي، والتي تقطنها غالبية من الأقلية التركية الأرثوذكسية المعروفة باسم “الغاغاوز”. وقد انتُخبت في عام 2023 بدعم مباشر من حزب “شور” الذي يقوده السياسي المثير للجدل “إيلان شور”، المحكوم عليه غيابيًا في قضايا فساد ويعيش حاليًا في المنفى.
حملة غوتسول الانتخابية اتسمت بطابع شعبي قوي، حيث وعدت بالدفاع عن حقوق الغاغاوز، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا، في تناقض واضح مع التوجهات الأوروبية التي تتبناها حكومة كيشيناو المركزية. وهو ما وضعها مرارًا في مواجهة مباشرة مع السلطات المولدوفية، التي طالما نظرت بريبة إلى نشاطات القيادة في غاغاوزيا.
التهم الموجهة ودلالاتها السياسية
وفقًا للنيابة العامة، فإن التهم الموجهة إلى غوتسول تتمحور حول تلقي أموال غير مشروعة خلال الحملة الانتخابية، يُزعم أنها جاءت من مصادر خارجية دعمت حزب “شور”، بما في ذلك تحويلات مالية مجهولة المصدر تم استخدامها لشراء ولاءات سياسية وتنظيم فعاليات جماهيرية.لكن فريق الدفاع عنها يرى في هذه الاتهامات “تلفيقات سياسية”، تهدف إلى إسكات صوت معارض داخل البلاد، وخصوصًا أنه يأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الحكومة المولدوفية من جهة، والقوى المعارضة الموالية لروسيا من جهة أخرى.
وقالت المحامية ناتاليا بايرام إن الحكم “غير قانوني وجاء بتوجيه سياسي”، مضيفة: “سنقوم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية على الصعيدين المحلي والدولي للطعن في هذا الحكم المجحف.”
غاغاوزيا بين الولاء لمولدوفا والانجذاب لروسيا
تمثل منطقة غاغاوزيا واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في السيادة المولدوفية، حيث تتمتع بوضع خاص ضمن الدستور المولدوفي منذ عام 1994، يضمن لها قدرًا من الحكم الذاتي الثقافي والإداري. إلا أن علاقاتها بالحكومة المركزية كثيرًا ما توترت، خاصة في ضوء التباين الواضح في الرؤية الجيوسياسية، حيث تميل النخبة السياسية في غاغاوزيا إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وتركيا، مقابل توجه مولدوفا نحو أوروبا والغرب.وقد أثار انتخاب غوتسول في عام 2023 قلقًا كبيرًا في كيشيناو، لما تمثله من رمزية لوحدة المعارضة، ودعوتها المتكررة لإجراء استفتاء حول “خيارات السياسة الخارجية” لغاغاوزيا، وهو ما اعتبره البعض تمهيدًا لاستقلال فعلي أو على الأقل تعزيز الانفصال السياسي.
ردود فعل محلية ودولية
عقب إعلان الحكم، سارعت قوى المعارضة داخل مولدوفا إلى التنديد به، معتبرة أنه “تصعيد خطير يهدد الاستقرار الوطني”، فيما دعا سياسيون غاغاوزيون إلى تنظيم احتجاجات واسعة في كومرات، عاصمة الإقليم. في المقابل، أكدت الحكومة المولدوفية أن الحكم جاء “نتيجة لإجراءات قضائية مستقلة”، مشددة على التزامها بمبدأ سيادة القانون.
أما موسكو، التي تتابع الوضع في غاغاوزيا عن كثب، فقد أدانت ما وصفته بـ”اضطهاد سياسي لقيادة شرعية منتخبة”، داعية المجتمع الدولي إلى مراقبة “تدهور حقوق الأقليات في مولدوفا”. ومن المرجح أن يتسبب هذا التصعيد في مزيد من التوتر في العلاقات المتدهورة أصلًا بين موسكو وكيشيناو، والتي تشهد حالة من البرود منذ الأزمة الأوكرانية وتصاعد الدور الأوروبي في البلاد.
مستقبل غامض للغاغاوز
يثير الحكم على غوتسول تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة بين الإقليم والحكومة المركزية. فهل ستقبل غاغاوزيا بمخرجات القضاء وتنتقل إلى انتخاب بديل لرئيستها؟ أم أن الوضع سيتحول إلى صدام مفتوح قد يفتح الباب أمام مطالبات بالانفصال أو التدويل؟
المراقبون يرون أن الحكم، بعيدًا عن تبعاته القانونية، يمثل “علامة فارقة” في الصراع القائم بين النزعة الأوروبية التي تتبناها النخبة في كيشيناو، والنزعة الأوراسية التي تحظى بشعبية داخل المناطق الطرفية مثل غاغاوزيا. كما يشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة المولدوفية على إدارة التنوع الداخلي دون اللجوء إلى القبضة الأمنية أو الاستبعاد السياسي.