عربي وعالمي

“عقيدة مونرو الروسية”: من أوكرانيا إلى ما بعدها… من التالي في خط النار؟

مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من التسوية، بدأت تتضح ملامح استراتيجية روسية جديدة قد تكون أكثر خطورة من المكاسب الميدانية. فبينما يركز المراقبون على مسألة الأراضي المحتلة والحدود، يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إدراج بند “حماية حقوق المتحدثين بالروسية” كشرط غير قابل للتفاوض. هذه الصياغة تفتح الباب أمام مبدأ جديد شبيه بـ “عقيدة مونرو” الأمريكية، لكن بوجهة نظر روسية تستهدف فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي.

 

من “الخطوط الحمراء” إلى “الخطوط الداخلية”

في قمة ألاسكا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قدّم بوتين قائمة مطالب لإنهاء الحرب:

وقف توسع الناتو شرقاً ومنع انضمام أوكرانيا.

اعتراف دولي بمكاسب روسيا الإقليمية، بما فيها القرم ودونباس.

ضمانات دائمة لحقوق الروس ثقافياً ودينياً في أوكرانيا.

الخطير أن البند الثالث يمنح موسكو ذريعة للتدخل متى اعتبرت أن حقوق هذه الفئة مهددة، وهو ما يضع المسؤولية على كييف لتفادي “إغضاب” روسيا، ويحوّل العلاقات الثنائية إلى حالة من الابتزاز المستمر.

 

“الجوار القريب”: إعادة إحياء الإمبراطورية

مصطلح “الجوار القريب” (Blizhnee Zarubezhe) ظهر منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، ويشير إلى الدول المستقلة التي انفصلت عنه. روسيا تعتبر هذه المنطقة مجالاً طبيعياً لنفوذها، شبيهاً بما اعتبرته واشنطن مجالها الحيوي في الأمريكيتين بموجب عقيدة مونرو (1823).

في وثيقة “مفهوم السياسة الخارجية لروسيا” (2023)، وضعت موسكو هدف “بناء فضاء اقتصادي وسياسي متكامل في أوراسيا”، ومنع أي نفوذ غربي “غير ودي” قد يهدد علاقاتها مع هذه الدول.

 

سلاح الأقليات الروسية: ورقة الضغط الأخطر

قبل الحرب، شكّل الناطقون بالروسية نحو 30% من سكان أوكرانيا، ومع قوانين تعزيز اللغة الأوكرانية (2018–2019) اعتبرت موسكو ذلك مبرراً للتدخل العسكري. لكن أوكرانيا ليست استثناءً:

لاتفيا: 33% روس ناطقون بالروسية.

إستونيا: نحو 30%.

كازاخستان: 20–25%، أغلبهم في الشمال المتاخم لروسيا.

مولدوفا وقرغيزستان: نحو 10%.

بيلاروسيا: 70–80% يتحدثون الروسية.

هذه الأقليات، خصوصاً حيث تتركز جغرافياً (مثل دونباس في أوكرانيا، إيدا-فيرو في إستونيا، ولاطغال في لاتفيا)، تشكّل نقاط ارتكاز لأي تحرك روسي محتمل.

 

بوتين والـ “مواطنون في الخارج”

منذ أكثر من عقد، يكرر بوتين تعهده بحماية “المواطنين الروس بالخارج”:

2014 (بعد ضم القرم): “السيادة الحقيقية ضرورية لبقائنا، خصوصاً في حماية مواطنينا بالخارج.”

2015 (في الأمم المتحدة): “من واجبنا حماية هويتهم وثقافتهم.”

2012–2022: خطابات متكررة تربط بين الأمن القومي الروسي و”مصير الناطقين بالروسية” في العالم.

هذا الخطاب لم يعد مجرد دعاية قومية، بل تحوّل الآن إلى بند في اتفاق سلام محتمل، أي أنه قد يحصل على شرعية دولية لأول مرة.

 

التداعيات الاستراتيجية: ما بعد أوكرانيا

في البلطيق: روسيا قد تستخدم ملف الأقلية الروسية لتحدي الناتو مباشرة.

في كازاخستان: احتمال استغلال “الشمال الناطق بالروسية” كورقة ضغط على نظام آستانة.

في مولدوفا: إقليم ترانسنيستريا قد يتحول إلى “دونباس جديدة”.

 

خلاصة

إذا أُقرّ اتفاق سلام في أوكرانيا يضمن لروسيا حق “حماية الروس بالخارج”، فذلك سيكون أخطر من أي مكسب جغرافي. إنه يعني عملياً ترسيم “عقيدة مونرو روسية” تعطي لموسكو تفويضاً مفتوحاً للتدخل في شؤون جيرانها، وتثبيت موقعها كقوة وصاية على ملايين من الناطقين بالروسية.

 

السؤال الذي يفرض نفسه الآن: من سيكون التالي في خط النار بعد أوكرانيا؟

 

إقرأ أيضا:

قادة أوروبا يبحثون ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد محادثات ترامب

إسراء حموده ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى