سيارات ومحركات

سباق الأعماق: سباق عالمي لحماية البنية التحتية البحرية من التهديدات المتزايدة

لم تعد الحروب الحديثة تُخاض فوق سطح الأرض أو في الفضاء وحده، بل أصبحت أعماق البحار والمحيطات ميداناً جديداً للمواجهة. فقد سلطت حوادث استهداف خطوط أنابيب الغاز البحرية وكابلات الاتصالات تحت البحر الضوء على حجم التهديد الذي يواجه الاقتصادات المتقدمة. هذه التطورات دفعت الحكومات إلى ضخ استثمارات هائلة في برامج الدفاع البحري غير التقليدية، بما في ذلك أنظمة الاستشعار والذكاء الاصطناعي والغواصات غير المأهولة.

في الولايات المتحدة، شددت هيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC) الرقابة على الكابلات البحرية، فيما جعلت بريطانيا حماية المجال البحري محوراً رئيسياً في مراجعتها الاستراتيجية الأخيرة للقدرات العسكرية.

 

من مواجهة الغواصات إلى حماية البنية التحتية

يقول سيد كوشال، الخبير في الحروب البحرية بمعهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن:”الحفاظ على الوعي بما يجري تحت الماء وملاحقة الأهداف المراوغة ليس أمراً جديداً على القوات البحرية، لكن التهديدات الحالية أكثر تعقيداً واتساعاً.”فبينما كان التحدي سابقاً يقتصر على تعقب غواصة معادية واحدة بواسطة طائرة دورية بحرية أو فرقاطات محدودة، أصبحت المهمة اليوم مرتبطة بقدرة مستمرة على رصد وحماية آلاف الكيلومترات من الكابلات البحرية وأنابيب الطاقة التي تغذي الاقتصادات العالمية.

شركات الدفاع تتسابق على “المحيط الرقمي”

من عمالقة الصناعات الدفاعية مثل BAE Systems وThales، مروراً بشركات متوسطة مثل Ultra Maritime، وصولاً إلى شركات ناشئة مثل Helsing، تتسابق الأطراف كافة لتطوير تكنولوجيا الأعماق.

 

من أبرز المبادرات:

مشروع “المحيط الرقمي” لحلف الناتو، الهادف إلى دمج الأقمار الصناعية والأنظمة الذاتية لرصد الأنشطة فوق سطح البحر وتحته.

فريق عمل بريطاني-أوروبي لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل البيانات الصوتية تحت الماء وتحويلها إلى معلومات استخباراتية قابلة للاستخدام الفوري.

 

بيئة قاسية… وتكنولوجيا متطورة

يصف ديف كويك، رئيس قسم الأسلحة تحت الماء في BAE، بيئة العمليات البحرية بأنها “بيئة من أقصى درجات التحدي”، مشيراً إلى:

الأعماق الكبيرة وضغط المياه.

الضوضاء الصوتية المعقدة.

المساحات الشاسعة التي تجعل الرصد عملية شاقة ومكلفة.

ومع ذلك، فإن التطور في الإلكترونيات الدقيقة، الحوسبة عالية الأداء، والذكاء الاصطناعي، أتاح ابتكارات لم يكن من الممكن تصورها قبل عقدين.

 

منصات غير مأهولة تغيّر قواعد اللعبة

مشروع “إكسكاليبر” البريطاني

كشفت شركة MSubs البريطانية عن غواصة تجريبية غير مأهولة بطول 12 متراً ووزن 19 طناً، أطلق عليها اسم Excalibur. هذه الغواصة، وهي الأكبر من نوعها في تاريخ البحرية الملكية، ستخضع لاختبارات بحرية لمدة عامين لتسريع دمج التقنيات غير المأهولة في أسطول المملكة المتحدة.

مشروع “هيرن” من BAE

من جانبها، طورت BAE مركبة ذاتية ضخمة أطلقت عليها اسم Herne، بتصميم معياري يسمح بزيادة الطول لاستيعاب حمولة إضافية، مع نطاق ومدى عملياتي “غير مسبوق”.

 

الشركات الناشئة تدخل السباق

لم تعد المنافسة محصورة بالشركات العملاقة؛ فشركات ناشئة مثل Helsing وAnduril باتت تنافس بقوة بفضل مرونتها وسرعة تطويرها:Helsing تعمل على تطوير أسطول من الغواصات الانزلاقية الذاتية (SG-1 Fathom) مدعومة بالذكاء الاصطناعي، قادرة على العمل تحت إشراف مشغل واحد يدير مئات الوحدات بتكلفة لا تتجاوز 10% من الدوريات المأهولة.Anduril أطلقت نظام Seabed Sentry، وهو شبكة من “العقد الاستشعارية” منخفضة الكلفة تُنشر على قاع البحر لرصد أي نشاط مريب في الزمن الحقيقي، بالاعتماد على التعاون مع شركتي Sonardyne وUltra Maritime.

 

سوق بمليارات الدولارات

تتوقع شركة فينكانتيري، أكبر مصنع للسفن في أوروبا، أن ينمو سوق الدفاع والأمن البحري تحت الماء بمعدل 50 مليار يورو سنوياً خلال السنوات المقبلة. الشركة الإيطالية المملوكة للدولة تستعد لمضاعفة حجم قطاعها البحري ليصل إلى 820 مليون يورو بحلول عام 2027.هذا النمو السريع يعكس إدراك الحكومات أن حماية البنية التحتية البحرية لم تعد رفاهية بل ضرورة استراتيجية.

 

التحدي الحقيقي: إدارة البيانات

يؤكد خبراء أن التحدي لم يعد فقط في نشر أجهزة استشعار أو منصات غير مأهولة، بل في معالجة الكم الهائل من البيانات الصوتية والبيئية وتحويلها إلى معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ بسرعة.

يقول إيان ماكفارلين، مدير مبيعات الأنظمة البحرية في Thales UK:”التعامل مع البيانات وتحويلها لمعلومة مفهومة هو مفتاح النجاح. لا يمكنك أن تسمح بوقوع خطأ في هذا المجال.”

 

نحو “حرب أعماق” جديدة

بينما تزداد التوترات الجيوسياسية في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، يتحول قاع البحر إلى جبهة استراتيجية خامسة إلى جانب البر والبحر والجو والفضاء.

مع اعتماد العالم على الغاز المسال، الطاقة المتجددة البحرية، وكابلات الإنترنت التي تنقل أكثر من 95% من البيانات العالمية، فإن أي هجوم على هذه الشبكات قد يشل الاقتصادات والدول.لذلك، فإن ما يجري اليوم ليس مجرد سباق تسلح تقني، بل هو سباق لحماية شرايين الاقتصاد العالمي تحت سطح البحر.

 

 الخلاصة:

يشهد العالم سباقاً متسارعاً لتأمين الفضاء البحري غير المرئي. التقدم التكنولوجي أتاح بناء منصات غير مأهولة وأنظمة ذكاء اصطناعي تجعل من الممكن رصد التهديدات في بيئة بالغة التعقيد. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في الاستجابة السريعة وإدارة البيانات بفعالية. في عصر تتشابك فيه المصالح الاقتصادية والأمنية، يبدو أن أعماق البحار ستصبح ساحة المعركة المقبلة بين القوى الكبرى.

 

إقرأ أيضا:

مباحثات مصرية – جزائرية على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بجدة

إسراء حموده ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى