الذكاء الاصطناعي خط الدفاع الجديد في البنوك الكورية

في ظل تنامي التهديدات الإلكترونية وأساليب الاحتيال المتطورة، بدأت البنوك الكورية الجنوبية باتخاذ خطوات أكثر تقدمًا لمكافحة التصيّد الصوتي، من خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة الداخلية. يأتي هذا التحول في وقت تعكف فيه الحكومة على إصدار تشريعات جديدة تُحمّل المؤسسات المالية مسؤولية أكبر تجاه حماية عملائها.
لوائح حكومية جديدة لحماية الضحايا
وفقًا لمسؤولين في القطاع المصرفي، تعمل الحكومة الكورية على إعداد لوائح تنظيمية جديدة تُلزم المؤسسات المالية بتعويض الضحايا المتضررين من عمليات التصيّد، حتى في حال تحويل الضحايا الأموال بأنفسهم إلى الحسابات الاحتيالية.
تعتمد هذه الخطوة على مبدأ “المسؤولية غير المباشرة”، الذي يفترض أن البنوك تتحمل مسؤولية جزئية في حالات الاحتيال، ما لم تكن قد قامت بكل ما يلزم من تدابير وقائية. وتعدّ هذه القاعدة جزءًا من خطة وطنية أوسع لمكافحة التصيّد الصوتي، يقودها مكتب تنسيق السياسات الحكومية، بالتعاون مع وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهيئة الخدمات المالية.
الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية
في استجابة مباشرة لهذه التوجهات، كثّفت البنوك الكبرى في كوريا الجنوبية جهودها لتعزيز تقنيات الكشف المبكر عن الاحتيال.
أبرز الأمثلة يأتي من بنك KB Kookmin، الذي أدخل أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة قادرة على التكيّف مع أساليب التصيّد الجديدة التي تتغير بسرعة، مستفيدًا من التحليل السلوكي واللغوي للمكالمات والمعاملات المشبوهة.
كذلك، قام بنك Woori وبنك NH NongHyup بتعزيز أنظمة المراقبة، من خلال التعاون مع الجهات الأمنية وشركات الاتصالات، لتبادل البيانات والمعلومات حول محاولات الاحتيال، مما يعزز القدرة على توقّع الهجمات بدلًا من الاكتفاء بردّ الفعل.
ضغوط متزايدة على القطاع المصرفي
التحول التشريعي الأخير يضع البنوك تحت ضغط متزايد، خصوصًا وأن الالتزام بتعويض العملاء المتضررين قد يترتب عليه تكاليف مالية كبيرة، إضافة إلى الحاجة للاستثمار في البنية التحتية الرقمية وأنظمة الأمان السيبراني.
ومع تصاعد الحالات التي يتم فيها خداع العملاء عبر مكالمات هاتفية منتحلة لشخصيات رسمية، تُطالب منظمات حماية المستهلك الحكومة بتسريع إقرار اللوائح الجديدة، وتحفيز القطاع المصرفي على بناء قدرات استباقية لمنع الجرائم الرقمية، بدلًا من انتظار وقوعها.
التعاون بين القطاعين العام والخاص
ما يميّز التجربة الكورية في مواجهة التصيّد هو توجه الحكومة نحو نهج تشاركي، يُلزم البنوك، شركات التكنولوجيا، والجهات التنظيمية بالعمل معًا ضمن إطار معلوماتي موحّد. هذا التعاون يسمح بتحديث قواعد البيانات حول الأساليب الاحتيالية باستمرار، بما يمكّن الذكاء الاصطناعي من رصد الأنماط الجديدة بشكل أدق.
ويُنتظر أن يتم تطبيق برنامج وطني موحّد لتحليل المكالمات المصرفية وطلبات التحويل المشبوهة، بحيث يتم التدخل أو تعليق المعاملة تلقائيًا عند اكتشاف مؤشرات خطر.
مستقبل أكثر أمانًا للعملاء؟
رغم التحديات، فإن دمج الذكاء الاصطناعي مع إجراءات الحماية القانونية يمثل نقلة نوعية في حماية العملاء من الاحتيال، ويعزز من ثقة الجمهور في النظام المالي.
ويبقى نجاح التجربة الكورية رهينًا بسرعة تطبيق هذه اللوائح، ومدى التزام البنوك بتطوير أنظمتها، دون تحميل العملاء المزيد من الرسوم أو الإجراءات المعقدة.