أوروبا تضغط على إسرائيل: عقوبات جمركية وتعليق دعم بسبب غزة

كشفت الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس عن خطط غير مسبوقة لخفض العلاقات التجارية مع إسرائيل وفرض عقوبات على مسؤولين بارزين بحكومة نتنياهو، على خلفية اتهامات بالإبادة والتجويع وانتهاكات حقوق الإنسان في غزة. الخطوة تمثل تحوّلًا بارزًا في سياسة الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها تأتي بعد أشهر من الانتقادات لرئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين بسبب ترددها في اتخاذ مواقف صارمة تجاه الاحتلال. هذه الإجراءات قد تغيّر مسار العلاقة بين بروكسل وتل أبيب، إذ تشمل فرض رسوم جمركية وعقوبات فردية، في لحظة حساسة تسبق انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
رسوم وعقوبات مباشرة
الإجراءات المقترحة تشمل فرض رسوم جمركية على نحو 37% من صادرات إسرائيل للاتحاد الأوروبي، أي ما يعادل 220 مليون يورو من تكاليف إضافية سنويًا. كما تستهدف بروكسل تعليق 14 مليون يورو من الدعم المباشر لبعض المشاريع الإسرائيلية، مع استثناء تمويل مبادرات بناء السلام ونصب “ياد فاشيم”. وتُعد هذه الخطوة الأكثر جدية منذ توقيع اتفاقية الشراكة عام 2000، حيث تتجه بروكسل إلى إعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة التي تنظم التبادل التجاري مع إسرائيل، والتي بلغت صادراتها للاتحاد نحو 16 مليار يورو في 2024.
انقسام داخل الاتحاد
رغم الطابع غير المسبوق لهذه الخطوات، فإن تمريرها داخل الاتحاد الأوروبي لا يزال محل شكوك كبيرة. فبينما تضغط شخصيات مثل بيدرو سانشيز للمضي في العقوبات، تعارض دول أخرى أبرزها ألمانيا والنمسا وإيطاليا والمجر هذه الإجراءات، ما يعقّد عملية المصادقة عليها. صحيفة “بوليتيكو” أشارت إلى أن فرض الرسوم يحتاج موافقة الأغلبية، بينما العقوبات الفردية تتطلب إجماعًا كاملًا، وهو ما لم يتحقق بعد. هذا الانقسام يعكس التباين العميق داخل أوروبا بين من يطالبون بموقف أكثر صرامة ضد الاحتلال ومن يخشون تداعيات سياسية أو اقتصادية.

قلق إسرائيلي وردود غاضبة
من جانبها، حرصت كايا كالاس على التأكيد أن الإجراءات تستهدف الحكومة الإسرائيلية لا الشعب، قائلة: “الهدف ليس معاقبة إسرائيل، بل تحسين الوضع الإنساني في غزة”. لكن تصريحاتها لم تُهدّئ المخاوف في تل أبيب، إذ رد وزير الخارجية جدعون ساعر باتهام بروكسل بأنها تمنح “تمكينًا للجماعات الإرهابية”. هذه المواجهة الكلامية تكشف عن عمق القلق الإسرائيلي من فقدان أهم شريك تجاري وسياسي في أوروبا، في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي والاحتجاجات الشعبية داخل القارة للمطالبة بمحاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة.

ملامح مرحلة جديدة
إقدام الاتحاد الأوروبي على اتخاذ مثل هذه الإجراءات، حتى لو لم تُعتمد بشكل نهائي، يكشف عن تحوّل في المزاج السياسي الأوروبي تجاه إسرائيل. لم تعد بروكسل قادرة على تجاهل الغضب الشعبي والضغوط الدولية، كما لم يعد التزامها السابق بالدعم غير المشروط مقبولًا. ومع تزايد الأصوات المطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وتقييد التعامل مع حكومة نتنياهو، يبدو أن العلاقة الأوروبية ـ الإسرائيلية تدخل مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، وقد تكون مؤثرة على توازنات السياسة الدولية في الأشهر المقبلة.