أطول خطاب أمريكي في الأمم المتحدة.. ساعة من الفوضى والاستعراض

لم يكن خطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثًا عابرًا، بل تحول إلى عرض استثنائي امتد لأكثر من 56 دقيقة، متجاوزًا المدة المخصصة عادة لقادة العالم. بين المزاح والانتقادات الحادة والاستطرادات المفاجئة، رسم ترامب مشهدًا مثيرًا للجدل داخل القاعة وخارجها. فخطابه لم يكن مجرد كلمات مرتبة على منبر أممي، بل بدا أقرب إلى عرض شخصي يعكس أسلوبه المثير للانقسام. وبينما اعتاد الرؤساء الأمريكيون الاكتفاء بربع ساعة تقريبًا، قرر ترامب كسر القاعدة، ليترك بصمته في تاريخ الجمعية العامة، حتى وإن لم يحطم أرقام كاسترو وعرفات.
رقم قياسي أمريكي
رغم أن المدة المقررة لخطابات القادة أمام الجمعية العامة لا تتجاوز 15 دقيقة، فإن ترامب قدّم خطابًا استثنائيًا استمر أكثر من 56 دقيقة. بهذا، حقق أطول كلمة لرئيس أمريكي في تاريخ الأمم المتحدة، متجاوزًا جميع أسلافه في البيت الأبيض. ورغم أنه لم يقترب من الرقم القياسي العالمي الذي سجّله فيدل كاسترو بخطاب استمر أربع ساعات ونصف عام 1960، ولا من كلمة ياسر عرفات التي امتدت لنحو ساعة ونصف عام 1974، فقد أرسى ترامب سابقة أمريكية غير مألوفة في مؤسسة تتسم عادة بالانضباط الدبلوماسي.
استطرادات غير متوقعة
افتتح ترامب خطابه بسلسلة من النكات عن جهاز تلقين معطل وسلّم متحرك توقف فجأة، قبل أن يطلق وعودًا ويستعرض إنجازاته. لكنه سرعان ما ابتعد عن النص الأصلي، متحدثًا عن قضايا جانبية لا علاقة لها بالموضوع، من الجريمة في المدن الأمريكية إلى البصمة الكربونية لباراك أوباما. كما انتقد مشروع تجديد مقر الأمم المتحدة، وسخر من طواحين الهواء، بل قال فجأة: “أظن أنهم يريدون قتل جميع الأبقار”، من دون أي توضيح. هذه الاستطرادات المتكررة أضفت على كلمته طابعًا ارتجاليًا مثيرًا للجدل داخل القاعة.

هجوم على الأمم المتحدة
لم يقتصر خطاب ترامب على التباهي بإنجازاته أو إطلاق المزاح، بل شن هجومًا مباشرًا على المنظمة الدولية. فقد تساءل عن جدوى الأمم المتحدة، معتبرًا أن معظم قراراتها لا تتعدى كونها “رسائل شديدة اللهجة بلا متابعة حقيقية”. وأكد أن الكلمات الجوفاء لن توقف الحروب ولن تحقق الأمن العالمي. وفي لفتة طريفة قبل صعوده إلى المنصة، علق ترامب على تعطل السلم الكهربائي ساخرًا من الأمر، كما ألقى باللوم على جهاز التلقين المعطل، قائلاً إن من يشغله “في ورطة كبيرة”. بذلك، جعل من الأعطال المحرجة جزءًا من عرضه السياسي.
قضايا عالمية ساخنة
ترامب لم يتجاهل الملفات الدولية الكبرى، بل تحدث مطولًا عن الحرب في أوكرانيا، واصفًا إياها بـ”الأسهل حلًا”، ودعا إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المحتجزين. لكنه رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرًا أن الخطوة ستكون “مكافأة لحماس” على ما وصفه بـ”الفظائع”. كما ركز على ملف الهجرة، محذرًا من أن السياسات الحالية تجعل “الحرية تتلاشى بسرعة”، وهاجم الطاقة الخضراء باعتبارها تهديدًا للنمو الاقتصادي. هذه التصريحات وضعت خطابه في دائرة الاهتمام، باعتباره مزيجًا من المواقف الحادة والرؤى المثيرة للانقسام.
نهاية مثيرة للجدل
بعد أكثر من 56 دقيقة، اختتم ترامب كلمته بتكرار شعاراته المألوفة، مؤكدًا أن “الحدود القوية” و”مصادر الطاقة التقليدية” هما السبيل لاستعادة عظمة الدول. ورغم الاستطرادات والانتقادات غير المألوفة، أكد أن خطابه لقي “استقبالًا جيدًا” من قِبل زعماء العالم. وبالنسبة له، كان هذا الظهور على منصة الأمم المتحدة فرصة لتأكيد رؤيته بأن الولايات المتحدة لا تزال في “عصرها الذهبي”. وبينما قوبل خطابه السابق عام 2018 بالضحكات، اتسمت هذه المرة بهدوء نسبي، لكنه ترك بلا شك أثرًا لا يُنسى في تاريخ المنبر الأممي.