بريطانيا تعترف رسميا بدولة فلسطين: خطوه رمزيه تحمل رسائل سياسية عميقة

أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اعتراف بلاده بدولة فلسطين ككيان مستقل، في خطوة وُصفت بأنها رمزية لكنها تحمل دلالات سياسية وتاريخية عميقة. يأتي هذا القرار بعد أكثر من سبعين عامًا على انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقيام دولة إسرائيل عام 1948، ويوازيه اعتراف مماثل من كندا وأستراليا، فيما تستعد أكثر من 150 دولة لتأكيد اعترافها خلال الأسبوع المقبل.
سياق تاريخي مثقل بالمسؤولية
يرى مراقبون أن هذه الخطوة البريطانية تتجاوز حدود اللحظة الراهنة، إذ تحمل في طياتها اعترافًا متأخرًا بالمسؤولية التاريخية لبريطانيا عن جذور النزاع، منذ “وعد بلفور” عام 1917 وحتى سياسات الانتداب التي مهدت لقيام إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الاعتراف الحالي وإن جاء متأخرًا، يمثل تصحيحًا رمزيًا لمسار طويل من الإنكار.
دوافع القرار البريطاني
أكد ستارمر أن الاعتراف يهدف إلى إبقاء فكرة حل الدولتين حيّة في مواجهة السياسات الإسرائيلية الأخيرة، موضحًا أن “السلام يعني إسرائيل آمنة إلى جانب دولة فلسطينية قابلة للحياة، وما نراه الآن أننا نفتقد الاثنين”. القرار لم يُطرح كعقوبة لإسرائيل، لكن مسؤولين بريطانيين أشاروا بوضوح إلى أن شدة الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة وعدم احترامها للقانون الدولي سرّعا هذا التحول.
ضغط داخلي وخارجي
القرار جاء بعد ضغوط داخلية متزايدة داخل حزب العمال البريطاني، على خلفية الأزمة الإنسانية في غزة، إلى جانب تنسيق مع فرنسا وكندا، ومحاولة صياغة موقف دولي جماعي يضع حدًا لسياسات الاستيطان والضم الإسرائيلي في الضفة الغربية.
شروط وقيود واضحة
المبادرة البريطانية ليست مفتوحة بلا قيود، إذ اشترطت لندن أن تُدار الدولة الفلسطينية عبر حكومة منتخبة جديدة خالية من نفوذ حركة “حماس”، مع التزام بوقف إطلاق النار وبدء عملية سلام طويلة الأمد. كما أوضحت أن الانتخابات الفلسطينية يجب أن تُجرى في غضون عام، وأن تكون السلطة الفلسطينية شريكًا أساسياً في المرحلة المقبلة.
انعكاسات دبلوماسية مباشرة
مع الاعتراف الرسمي، بات بإمكان بريطانيا توقيع معاهدات مباشرة مع السلطة الفلسطينية، إضافة إلى الاعتراف بحسام زملط كسفير كامل الصلاحيات لدى لندن، وهو ما يتطلب تقديم أوراق اعتماده إلى الملك تشارلز. هذه الخطوة تمنح التمثيل الفلسطيني وزنًا دبلوماسيًا جديدًا على الساحة الدولية.
انقسام المواقف الدولية
في الوقت الذي رحبت فيه دول عديدة بالقرار البريطاني، رفضت الولايات المتحدة الخطوة بشكل صريح، معتبرة أنها تتعارض مع موقفها الرافض لحل الدولتين في المرحلة الراهنة. هذا الانقسام يعكس التباين داخل الغرب نفسه بشأن التعامل مع الملف الفلسطيني والإسرائيلي.
مخاوف من سياسة “الأمر الواقع” الإسرائيلية
ترى لندن أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى عمليًا إلى تقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، سواء عبر تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية أو جعل قطاع غزة غير صالح للعيش بهدف دفع الفلسطينيين للهجرة نحو مصر أو الأردن. ومن هنا، فإن الاعتراف البريطاني يُعد محاولة لإنقاذ آخر ما تبقى من أمل للحل السياسي.
اعتراف مليء بالرمزية… لكن ماذا بعد؟
رغم الأهمية الرمزية للاعتراف، طرح نائب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد لامي، تساؤلات واقعية حول أثره المباشر قائلاً: “هل هذا سيُطعم الأطفال؟ لا. هل سيفك أسرى الحرب؟ هذا يتوقف على وقف إطلاق النار”. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الانتظار حتى تتحقق “الظروف المثالية” يعني عمليًا دفن فكرة الدولة الفلسطينية للأبد.
خطوة بريطانيا تحمل رسائل سياسية أكثر مما تقدم حلولاً عملية، لكنها تعكس في الوقت نفسه قناعة متنامية لدى الغرب بأن تجاهل القضية الفلسطينية لم يعد خيارًا. وبينما يرى الفلسطينيون فيها تصحيحًا متأخرًا لخطأ تاريخي، يبقى التحدي الحقيقي في تحويل هذه الرمزية إلى سياسات ضاغطة توقف الاحتلال وتفتح بابًا جادًا أمام تسوية عادلة.