أوروبا تواجه اختبارًا لقيمها: ضغوط داخلية وخارجية تهدد المبادئ الأوروبية

أوروبا تواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا لقيمها ومبادئها الأساسية. من جهة، الضغوط الأمريكية، خصوصًا في عهد ترامب، دفعت القادة الأوروبيين للتقرب من واشنطن على حساب مبدأ التوازن والمصلحة الأوروبية. من جهة أخرى، القوى اليمينية المتطرفة داخل الاتحاد الأوروبي تجبر الحكومات على التنازل عن المبادئ الديمقراطية لتحقيق استقرار سياسي قصير المدى.
“الطريق الأوروبي” يتلاشى
عندما قدمت أورسولا فون دير لاين نفسها لرئاسة المفوضية الأوروبية عام 2019، ركّزت على “الطريقة الأوروبية”، القائمة على التعددية، التجارة العادلة، والنظام القائم على القواعد، مع الدفاع عن الديمقراطية وحماية القيم الأوروبية. لكن ست سنوات بعد ذلك، باتت هذه الرؤية تتراجع، مع سلسلة انتكاسات عززت الانطباع بأن أوروبا تخضع لضغوط ترامب، ورضخت لمطالبه في اتفاقات تجارية منحازة على حساب مصالحها.
الاستسلام للضغوط الداخلية
المشكلة ليست في التجارة فقط، بل تتعداها إلى التحديات الداخلية. القادة الأوروبيون يرضون عن القوى اليمينية المتطرفة في بلدانهم، مما يضعف الديمقراطية، وسيادة القانون، والأسواق المفتوحة، ويؤثر على التزامات أوروبا في مواجهة أزمة المناخ.
سياسات الهجرة تحت الضغط
الهجرة أصبحت علامة على تراجع القيم الأوروبية. تحت تأثير اليمين المتطرف، تصورت الحكومات الهجرة كتهديد، مع التسامح مع عمليات الطرد غير القانونية، وعرقلة عمل منظمات الإنقاذ، والتعاون مع دول تتجاهل حقوق الإنسان، مثل تونس. حتى اتفاقية شنغن، رمز التكامل الأوروبي، باتت مهددة بسبب الحدود المؤقتة التي تتحول شبه دائمة.
المناخ والخداع السياسي
اتفاقية “الصفقة الخضراء الأوروبية” تواجه ضغوطًا من اليمين، مع محاولات لتقليل أو تأجيل إجراءات مهمة، بحجة حماية الاقتصاد أو تجنب الخلاف مع الناخبين، رغم أن هذا يعني التواطؤ مع سياسات بعيدة عن مركز الديمقراطية الأوروبية.
القيم ليست ترفًا
كل تنازل عن المبادئ، سواء في التعامل مع ترامب أو القوى الداخلية، يقوّض مصداقية الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية. مثال ذلك تقاعس أوروبا في الرد على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، حيث لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لسنوات، ما أثر على مصداقيتها الدولية.
الطريق الأمثل: الدفاع عن المبادئ
أوروبا لا يمكنها تجاهل حقيقة أساسية: الدفاع عن القيم ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة الاستبداد داخليًا، ولتشكيل عالم متعدد الأقطاب قائم على القواعد. التنازل عن المبادئ يعطي اليمين المتطرف فرصة لتثبيت نفسه، ويضعف الاتحاد من الداخل. الحل يكمن في تعزيز التعددية، سيادة القانون، المجتمعات المفتوحة، والعمل المناخي كقوة استراتيجية حقيقية.
أوروبا بحاجة للعمل لا الكلام
إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يكون “أوروبيًا” بمعنى حقيقي، فعليه الوقوف بثبات على قيمه، ليس بالكلام فقط، بل بالأفعال، داخليًا وخارجيًا. الدفاع عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان يجب أن يكون أولوية، حتى في مواجهة ضغوط ترامب والقوى اليمينية في الداخل.