الاقتصاد

أوروبا تواجه تحديات مزدوجة: فقدان حليف أمريكي وصعود النفوذ الصيني

تعيش أوروبا حالة من الارتباك في سياستها الخارجية، في ظل تراجع الدور الأمريكي التقليدي كحليف استراتيجي، وصعود متسارع للنفوذ الصيني الذي أصبح يفرض نفسه على المعادلات الاقتصادية والسياسية والأمنية العالمية. هذه التحولات المتزامنة تضع القارة العجوز في موقف استراتيجي بالغ التعقيد.

تراجع الدور الأمريكي وغياب البوصلة الغربية

على مدار العقود الماضية، اعتمد الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير على الولايات المتحدة لتوجيه سياساته الخارجية، خاصة تجاه القوى الكبرى مثل الصين وروسيا. إلا أن تراجع الاهتمام الأمريكي بالقضايا الأوروبية، وتذبذب المواقف الأمريكية في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد إدارة ترامب، ثم التبدل المستمر في سياسات بايدن، أدى إلى فقدان أوروبا لبوصلة واضحة في التعامل مع الملفات الدولية.

ومع عدم وجود سياسة أمريكية موحدة ومستقرة تجاه الصين، أصبحت أوروبا مضطرة لصياغة مواقفها بشكل مستقل، وهو أمر لم تعتده كثيرًا، ويضعها أمام تحديات داخلية وخارجية

النفوذ الصيني يتمدد في ظل فراغ استراتيجي

في المقابل، تستغل الصين هذا الفراغ الاستراتيجي بمهارة. فرغم حديث بكين المتكرر عن الحياد، إلا أنها تدعم فعليًا روسيا في سياق الحرب الأوكرانية، سواء عبر التعاون الاقتصادي أو الامتناع عن إدانة موسكو في المحافل الدولية. هذا الموقف الصيني يُفسَّر أوروبيًا كتهديد مباشر للنظام العالمي الذي كانت أوروبا أحد أركانه.

إلى جانب ذلك، تسعى الصين لتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية في قلب أوروبا، ما يخلق توترًا بين الحاجة إلى الاستفادة الاقتصادية من التعاون مع بكين، ومخاوف التبعية الاستراتيجية

تحديات داخلية تعمّق الأزمة الأوروبية

لا تقف التحديات أمام أوروبا عند حدود السياسة الخارجية. فداخليًا، تواجه القارة صعودًا ملحوظًا لليمين المتطرف، الذي يهدد القيم الديمقراطية الليبرالية، ويستلهم في بعض الأحيان النموذج الصيني في الحكم الاستبدادي المصحوب بنجاح اقتصادي.

هذا التوجه يزيد من الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، ويقوض قدرة التكتل على اتخاذ مواقف موحدة إزاء التحديات الخارجية، خاصة في ظل تنامي النزعات الشعبوية والانقسام حول قضايا الهجرة، والسيادة الوطنية، والهوية الأوروبية.

أزمة استراتيجية معقدة بلا دعم أمريكي مضمون

في ظل هذا الواقع، تجد أوروبا نفسها محاصرة بين ضغوط روسيا العسكرية، ونفوذ الصين الاقتصادي، وتراجع الالتزام الأمريكي. وتكمن المعضلة الكبرى في أن محاولة التعامل مع جميع هذه التحديات في آن واحد قد تُنهك أوروبا سياسيًا واستراتيجيًا.

ويحذر الخبراء من أن غياب استراتيجية موحدة وشجاعة قد يدفع القارة إلى فقدان مكانتها في النظام الدولي، ويجعلها مجرد ساحة تنافس بين القوى الكبرى بدلًا من أن تكون لاعبًا مؤثرًا فيها.

 

اقرأ أيضاً:

وزارة الإسكان تُطلق وحدة جديدة لتنظيم تعاملات المستثمرين والمطورين وحماية السوق العقاري

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى