هل تُطيل الذكاء الاصطناعي الأعمار أم تُقصِّرها؟

تقدّم علمي يعد بإطالة العمر… ومخاطر اجتماعية قد تدفع وفيات الأصغر سنًا إلى الارتفاع
تدفع اختراقات الذكاء الاصطناعي في الطب والبيولوجيا إلى آمال واسعة بإطالة الأعمار، لكن موجة بيانات وبحوث سكانية حديثة تطرح سؤالًا معاكسًا: هل قد يُنتج الذكاء الاصطناعي أيضًا ضغوطًا تُنقص متوسط العمر لدى فئات بعينها؟
قفزة طبية: من طيّ البروتينات إلى “علم طول العمر”
حصول ديميس هاسابيس وجون جَمبِر (ديب مايند) على نوبل الكيمياء عن نماذج AlphaFold سرّع تصميم أدوية تستهدف السرطان وأمراضًا مستعصية.
OpenAI طوّرت نموذجًا مُصغّرًا ومتخصصًا لبحوث إطالة العمر مع نتائج أولية واعدة.
الخلاصة الطبية: الذكاء الاصطناعي يَعِدُ بكبح أمراض كبرى وتحسين علاجات قد تطيل أعمار من يصلون إلى الشيخوخة.
الوجه الآخر: وفيات منتصف العمر ترتفع في الأنغلوسفير
وفق تحليل لاتجاهات الوفيات العالمية، تتراجع معدلات الوفاة بين كبار السن تدريجيًا، لكن وفيات البالغين الأصغر سنًا ومتوسطي العمر ترتفع في دول منها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، ما يُجمِّد مكاسب متوسط العمر.
السردية الشائعة عن “وفيات اليأس” (انتحار، كحول، مخدرات) لا تكفي وحدها. تتبّعٌ طويل المدى يُظهر أن البطالة المزمنة والعزلة الاجتماعية هما العلامتان الفارقتان لدى الأكثر عرضة للسلوكيات المدمِّرة للذات.
أثر الفِئات المتضرّرة مبكرًا: أكثر وضوحًا في اسكتلندا؛ الجيل الذي نشأ خلال تفكيك الصناعة في السبعينيات/الثمانينيات تلقّى صدمة توظيف مبكرة ويدفع ثمنها الآن بارتفاع وفيات المخدرات والانتحار.
المقارنة الأوروبية: دول غربية غير ناطقة بالإنجليزية واجهت بطالة وأفيونات مماثلة دون موجة وفيات لاحقة؛ يُرجَّح دور الحماية الاجتماعية (تديّن، تماسك مجتمعي، أسر ممتدة متقاربة).
أين يدخل الذكاء الاصطناعي في المعادلة السكانية؟
إذا أفضت أجيال النماذج إلى بطالة واسعة ودائمة عبر أتمتة مهن كاملة، فالأثر لن يكون “مؤقتًا” بل ندبة جيلية طويلة.
الدخل الأساسي الشامل قد لا يعالج الضرر؛ فالمشكلة ليست مالية فقط، بل فقدان المعنى والزمالة والتواصل الذي يمنحه العمل.
الاعتماد المتزايد على المحادثة مع نماذج لغوية بدل البشر قد يزيد العزلة؛ وهناك مؤشرات على ارتباط المنصات الرقمية بتسارع تفكك العلاقات.
شدّ وجذب على متوسط العمر المتوقع
كفة موجبة: صحة أفضل من خلال كشف أدوية أسرع، تشخيص أدق، وتخصيص علاجات—ترفع أعمار من يبلغون الكِبَر.
كفة سالبة: هشاشة أكبر للشباب ومتوسطي العمر بفعل بطالة مزمنة وانكفاء اجتماعي—تضغط متوسط العمر إلى أسفل.
النتيجة المحتملة: حرب شدّ على متوسط العمر—ربحٌ صحي في الكِبَر يقابله نزيف وفيات مبكرة في الأجيال المتضررة اقتصاديًا واجتماعيًا.
ماذا يفعل صانعو السياسات—وماذا نفعل كأفراد؟
سياسات سوق العمل: إعادة تأهيل سريعة، مسارات انتقال مهني مدعومة، وحوافز لتوليد وظائف ذات تماس اجتماعي عالٍ.
بنية الحماية الاجتماعية: الاستثمار في روابط المجتمع، والرعاية الأولية للصحة النفسية، ومساحات مدنية تقلّل العزلة (مراكز أحياء، أندية مهنية).
حوكمة منصات وذكاء اصطناعي: تصميم يُحفّز اللقاء البشري لا يستبدله، ومعايير شفافية حول تأثير الأتمتة على الوظائف.
على الأفراد: تعمّد بناء روتينات تواصل بشرية (أسرة/أصدقاء/مجتمع)، وتطوير مهارات مقاومة للأتمتة (تعاطف، قيادة، رعاية، إبداع تطبيقي).
الخلاصة: الذكاء الاصطناعي مرشّح لأن يُطيل أعمار كثيرين عبر ثورة طبية، لكنه قد يُقصِّرها لفئات أخرى إذا لم نُحصّن المجتمع من آثار البطالة والعزلة. الحكمة ليست في كبح التقنية، بل في تسخيرها مع سياسات اجتماعية واقتصادية تحمي الروابط البشرية التي تُبقينا على قيد الحياة… أطول وبصحة أفضل



