عربي وعالمي

الذكاء الاصطناعي في الحرب: كيف غيرت التكنولوجيا معادلة الصراع في غزة؟

الذكاء الاصطناعي وتطور أسلحة دقيقة: ثورة عسكرية تثير القلق الدولي

شهدت الحروب الحديثة تحولًا تقنيًا لافتًا، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في ساحة المعركة. إسرائيل، التي لطالما تميزت بتوظيف التكنولوجيا في عملياتها العسكرية، استخدمت الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات مبتكرة في الحرب على قطاع غزة، حيث أعادت صياغة أساليبها العسكرية بما يتناسب مع تحديات هذا العصر. في أواخر عام 2023، على سبيل المثال، استخدمت إسرائيل تقنيات متقدمة بهدف تحديد مواقع قيادات حماس، في عملية تهدف إلى اغتيال أحد القادة البارزين في شمال غزة، إبراهيم بياري. ولكن بينما كانت هذه الأدوات تسهم في تحقيق الأهداف العسكرية، فإن استخدامها تضمن مخاطر كبيرة، كان أبرزها مقتل العشرات من المدنيين في الهجمات التي نُفذت باستخدام هذه التقنيات.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز, سعت إسرائيل للاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لتكثيف قدرتها على الاستجابة السريعة في الأزمات، تثير هذه التجارب العسكرية تساؤلات حول أخلاقيات استخدامها في الحروب. فالذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولى من التطور في تطبيقاته العسكرية، مما يعني أن التداعيات المحتملة قد تكون غير قابلة للتنبؤ. هذا الوضع يسلط الضوء على التحديات المستقبلية التي قد يواجهها العالم في توظيف التقنيات الحديثة في الحروب، ويطرح تساؤلات حول مدى مسؤولية الدول في تنظيم استخدام هذه الأدوات لضمان تقليل الآثار السلبية على المدنيين.

غارات جوية إسرائيلية على قطاع غزة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023. قُتل إبراهيم البياري، أحد كبار قادة حماس، في غارات جوية في ذلك اليوم.

 تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي في الجيش الإسرائيلي: استخدامات مبتكرة ولكن خطرة

في أواخر 2023، شهدت إسرائيل تطورًا لافتًا في استخدام الذكاء الاصطناعي في حروبها، حيث استُخدمت أدوات جديدة لزيادة الفعالية العسكرية، وأحد أبرز الأمثلة كان محاولة اغتيال إبراهيم بياري، أحد القادة البارزين في حماس. ومع عدم تمكن الاستخبارات الإسرائيلية من تحديد مكانه، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى استخدام أداة صوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي استطاعت تحديد موقعه التقريبي من خلال تحليل المكالمات الصوتية. وفي 31 أكتوبر من نفس العام، استهدفت إسرائيل المنطقة التي كانت تشير إليها هذه الأداة بهجوم جوي، أسفر عن مقتل بياري وأكثر من 125 مدنيًا.

هذه العملية تكشف عن أحد أبرز التحديات الأخلاقية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب. فعلى الرغم من النجاح العسكري الظاهر، يثير ذلك تساؤلات حول قدرة التقنيات على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، وهو ما أدى إلى انتقادات واسعة ضد الأساليب المتبعة. من خلال تلك الأدوات، يمكن الحصول على مزيد من المعلومات والقيام بتكتيك عسكري دقيق، ولكن تكمن المشكلة في القدرة المحدودة لهذه التقنيات على تحليل السياق بشكل كامل، مما يؤدي إلى حوادث مؤسفة مثل تلك التي حدثت في الهجوم على بياري.

رفع الناس لافتات تحمل صور زعيم حزب الله اللبناني القتيل حسن نصر الله (على اليمين) في تجمع جماهيري في الرباط في مارس/آذار.

 الشراكة بين التكنولوجيا العسكرية والشركات الكبرى: بين الابتكار والرقابة

شهدت الحروب الأخيرة في غزة تعاونًا بين الجيش الإسرائيلي وشركات تكنولوجية عالمية مثل جوجل ومايكروسوفت وميتا، حيث عمل جنود الاحتياط من هذه الشركات على تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة للجيش. تم استخدام تقنيات مثل التعرف على الوجه المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحليل الرسائل النصية والمحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية، بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف الهجمات الجوية.

ومع هذه الابتكارات، أُثيرت العديد من المخاوف بشأن دور هذه الشركات في توفير الدعم التكنولوجي للمؤسسات العسكرية. على الرغم من تصريحات شركات مثل جوجل التي أكدت أن موظفيها في الاحتياط لا يشاركون في تطوير هذه الأدوات تحت مظلة عملهم في الشركة، فإن تساؤلات تظل قائمة حول مستوى الشفافية والمراقبة في استخدام هذه التقنيات. كيف يمكن ضمان استخدام هذه الأدوات بشكل مسؤول دون المساس بالأخلاقيات الإنسانية؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الابتكار العسكري وحماية المدنيين من الاستخدام المفرط لتلك التقنيات؟

دمارٌ ناجمٌ عن حرب غزة. استُخدمت خوارزمية التعلم الآلي “لافندر” التابعة للجيش الإسرائيلي في بداية الحرب للمساعدة في اختيار أهداف الهجوم.

 الأساليب المتقدمة: استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير أسلحة دقيقة

على مدار الحروب الأخيرة في غزة، استخدمت إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية أسلحتها، بما في ذلك الطائرات بدون طيار. حيث تم دمج الذكاء الاصطناعي في الخوارزميات الخاصة بالطائرات لضمان القدرة على تحديد وتتبع الأهداف بدقة عالية. في الماضي، كانت الطائرات تعتمد على صور ثابتة لاستهداف الأهداف، بينما الآن يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الأهداف المتحركة مثل السيارات أو الأشخاص في بيئات معقدة، مع تحسين دقة الهجمات.

هذا التطور التكنولوجي يقدم مزايا كبيرة في ساحة المعركة، لكنه أيضًا يعرض الجوانب الأخلاقية للنقاش. فالتكنولوجيا التي يمكنها تحديد وتتبع الأهداف بدقة لا يمكنها دائمًا التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين. وهذا يثير القلق بشأن تزايد الهجمات العشوائية، خاصة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان مثل غزة، حيث يصعب تحديد الأهداف العسكرية بوضوح. هذا التحدي يستدعي وضع آليات صارمة لضمان الاستخدام الأخلاقي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية.

التطبيقات الميدانية للذكاء الاصطناعي: من البحث إلى التنفيذ

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من العديد من العمليات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما في سياق البحث عن أهداف متخفية أو هويات مستترة. في أوقات النزاع، كانت التقنيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تُستخدم لتحليل مكالمات هاتفية ورسائل نصية عبر منصات الإنترنت الاجتماعية لتحديد مواقع وأماكن الأشخاص المستهدفين. على سبيل المثال، تم تطوير نموذج لغوي باللغة العربية، والذي كان يساهم في تحليل المحتوى الرقمي المترجم من اللهجات العربية المختلفة، مما يزيد من دقة عمليات التحليل.

ومع نجاح هذه الأدوات في تسريع عمليات البحث والتحديد، إلا أن هذه التقنيات أظهرت بعض العيوب. في بعض الحالات، فشلت في تحديد الدلالات اللغوية بشكل صحيح، ما أسفر عن أخطاء في تحليل البيانات واستخدامها. وبالتالي، كان هناك تبعات مباشرة على العمليات الميدانية، بما في ذلك الاعتقالات الخاطئة والإجراءات القاسية ضد المدنيين. هذا يضع ضغطًا على إسرائيل لإجراء مراجعات دقيقة لهذه التقنيات لضمان فعالية أكبر في المستقبل دون المساس بالسلامة البشرية.

الذكاء الاصطناعي في الحرب: كيف غيرت التكنولوجيا معادلة الصراع في غزة؟

 القلق العالمي: أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة

على الرغم من الابتكارات التي أتاحها الذكاء الاصطناعي في الحروب، يظل استخدامه في النزاعات العسكرية يثير العديد من الأسئلة الأخلاقية على الصعيد العالمي. الحروب التي تتم باستخدام تقنيات عالية مثل الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على تحسين الكفاءة العسكرية، بل تحمل في طياتها مخاطر متزايدة. فعلى الرغم من نجاح التقنيات في تحسين القدرة على استهداف الأعداء، إلا أنها في الوقت نفسه قد تتسبب في أضرار جسيمة للمدنيين، كما حدث في الهجمات الجوية التي استهدفت إبراهيم بياري.

إن تزايد استخدام هذه الأدوات التكنولوجية في الحروب يجعل المجتمع الدولي أمام تحديات ضخمة في تطوير قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب. لا يزال هناك الكثير من النقاشات حول دور الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية وكيف يمكن تنظيمه بشكل يحمي الحقوق الإنسانية ويسهم في تقليل الأضرار الجانبية.

 المستقبل: تكنولوجيا الحروب والرقابة الإنسانية

يشير التطور المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى أن المستقبل قد يشهد المزيد من الاعتماد على هذه الأدوات في الحروب المستقبلية. ستستمر إسرائيل، وغيرها من الدول، في الاستثمار في هذه التقنيات لزيادة قدرتها العسكرية، ولكن هذا سيستدعي ضرورة فرض رقابة صارمة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى