الوكالات

زيلينسكي في أفريقيا: دبلوماسية السلام تصطدم بصواريخ موسكو

جنوب أفريقيا تدخل على خط الحرب الأوكرانية بمبادرة دبلوماسية جريئة

في مشهد دبلوماسي نادر، التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بنظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في العاصمة بريتوريا، في زيارة حملت رمزية كبيرة في ظل التصعيد العسكري المتجدد في بلاده. رامافوزا، الذي استهل اللقاء بالإشادة بدعم أوكرانيا لحركة التحرير الجنوب أفريقية إبان حقبة الأبارتايد، عبر عن “قلق بلاده العميق” إزاء استمرار الحرب في أوكرانيا، لا سيما مع تفاقم الخسائر البشرية وتدهور الوضع الإنساني. وأكد أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا بل دبلوماسيًا، مستشهدًا بتجربة بلاده في التحول السلمي من الفصل العنصري إلى الديمقراطية. رامافوزا شدد على ضرورة الحوار الشامل القائم على ميثاق الأمم المتحدة، مطالبًا بوقف شامل وغير مشروط لإطلاق النار تمهيدًا لانطلاق مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف.

محادثات ثلاثية تشمل ترامب وبوتين وسط دعوات أفريقية للحوار

في تطور لافت، كشف الرئيس رامافوزا أنه تحدث في وقت سابق من اليوم ذاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام. وتتمحور هذه المحادثات حول سبل إنهاء النزاع وبلورة تسوية سياسية. وفقًا لتصريحات رامافوزا، فقد أبدى ترامب وبوتين انفتاحًا نسبيًا نحو المضي في مسار تفاوضي، وهو ما رحبت به جنوب أفريقيا. وأضاف أن الرئيس زيلينسكي أبدى استعداد أوكرانيا لقبول وقف إطلاق نار شامل وغير مشروط، والجلوس على طاولة الحوار، مما قد يمهد الطريق لمبادرة أفريقية أو دولية تحاول استغلال هذا التوافق النادر. رغم هذه التصريحات الإيجابية، فإن الشكوك ما زالت قائمة في ظل استمرار التصعيد العسكري الروسي على الأراضي الأوكرانية.

ضربات روسية جديدة على كييف: رسائل نارية تتناقض مع نداءات السلام

في الوقت الذي كانت تُعقد فيه اللقاءات الدبلوماسية في جنوب أفريقيا، شنت القوات الروسية هجمات واسعة النطاق على العاصمة الأوكرانية كييف ومناطق أخرى، باستخدام 70 صاروخًا و145 طائرة مسيّرة وفق ما أعلنته القوات الجوية الأوكرانية. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة أكثر من 80 آخرين، بينهم أطفال. في حي سفياتوشينسكي، تواصلت عمليات الإنقاذ لساعات وسط أنباء عن مفقودين تحت الأنقاض. هذه الضربات، التي وصفتها كييف بأنها “وحشية وغير مبررة”، قوبلت بإدانة غربية واسعة، حيث قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن هذه الضربات “تسخر من ادعاءات روسيا الساعية للسلام”، مؤكدة أن العقبة الحقيقية أمام التسوية هي في موسكو وليس كييف.

اتهامات روسية لأوكرانيا بتعطيل جهود السلام والموقف البريطاني الصلب

في المقابل، وجّهت روسيا اتهامات مباشرة للرئيس زيلينسكي بعرقلة الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب، واتهمت الدول الأوروبية بتأجيج الصراع من خلال استمرارها في تزويد أوكرانيا بالسلاح. المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت إن رفض كييف الاعتراف بضم القرم هو السبب الرئيسي لتعثر المحادثات، متهمة الغرب بـ”الخوف من انتصار روسيا”. في الجانب الآخر، جدّد وزير الدولة البريطاني ستيفن دوتي موقف بلاده الداعم لأوكرانيا، مشددًا على عدم اعتراف لندن بأي سيادة روسية على أراضٍ أوكرانية، بما فيها القرم. كما دعا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، محذرًا من أن القبول بسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة سيفتح الباب أمام تغييرات حدودية عالمية خطيرة.

سكان يقيمون في فناء مبنى سكني في حي سفياتوشينسكي بعد هجوم صاروخي وطائرات مسيرة شنته القوات الروسية ليلاً، كييف، أوكرانيا. الصورة: Ukrinform/REX/Shutterstock

زيلينسكي يختصر زيارته ويطالب بتعزيز الدفاعات الجوية

ردًا على التصعيد العسكري، قرر الرئيس زيلينسكي اختصار زيارته إلى جنوب أفريقيا، مؤكدًا أنه سيعود فورًا إلى أوكرانيا للإشراف على عمليات الإنقاذ والمقاومة. وفي تصريحات له، قال إن بلاده التزمت بوقف إطلاق نار شامل منذ 44 يومًا، لكن روسيا استغلت ذلك لمواصلة قتل المدنيين، مطالبًا العالم بالتحرك الجاد لوقف المجازر. كما دعا إلى تعزيز المساعدات الإنسانية، ولا سيما في ملف إعادة الأطفال الأوكرانيين الذين تم اختطافهم إلى روسيا، والمساعدة في إطلاق سراح الأسرى. وأكد أن الأولوية القصوى الآن هي لتقوية الدفاعات الجوية لردع الهجمات الروسية، مشددًا على أن “الضعف لن يوقف بوتين”، وأن المجتمع الدولي بحاجة إلى ضغط حقيقي لإنهاء العدوان.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى