صحف وتقارير

قمة ألاسكا: ماذا يريد بوتين من ترامب وسط حرب أوكرانيا؟

تحمل القمة المرتقبة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، والمقرر عقدها في ألاسكا يوم الجمعة، ثقلًا رمزيًا كبيرًا، إذ تعكس رؤية الكرملين للعالم. فعلى عكس استيلاء روسيا عسكريًا على خُمس أراضي أوكرانيا، كان بيع ألاسكا للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر في عهد القيصر ألكسندر الثاني صفقة سلمية. ومع ذلك، لا يزال هذا الحدث التاريخي يُذكرنا بأن الحدود الوطنية قابلة للتفاوض، وأن الأرض يمكن أن تُصبح عملة في السياسة الدولية. وفقًا لتقرير فايننشال تايمز

تركيز بوتين: الحفاظ على التواصل مع ترامب

 

على الرغم من الحرب الدائرة في أوكرانيا والضغوط المالية الكبيرة، لا يُظهر الرئيس الروسي بوتين أي مؤشرات على تراجع طموحاته الإقليمية. ويتفق المحللون على أن تركيز بوتين لا ينصب على ديناميكيات ساحة المعركة أو الصعوبات الاقتصادية، بل على الحفاظ على خط اتصال مفتوح مع ترامب. تشير ألكسندرا بروكوبينكو، الزميلة في مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا، إلى أن بوتين “لا يملك أي حافز لإنهاء الحرب في الوقت الحالي”، وأن ما يهمه حقًا هو الحفاظ على اهتمام ترامب.

في حين أعربت إدارة ترامب عن استيائها من سلوك بوتين “اللطيف للغاية” وسط هجماته على أوكرانيا، يبدو أن الديناميكيات قد تغيرت بعد زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى موسكو. بدا أن ترامب، الذي وعد بإنهاء الحرب بسرعة، قد تحول نحو نهج أكثر دبلوماسية بدعوة بوتين لزيارة الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تركز هذه القمة، وهي الأولى منذ ما يقرب من عقدين، على قضايا تتجاوز الصراع الأوكراني المباشر.

فلاديمير بوتن يستقبل مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيف ويتكوف خلال زيارة قام بها مؤخرًا إلى موسكو

اجتماع ألاسكا: انتصار دبلوماسي لبوتين

يُنظر إلى اختيار ألاسكا، وهي موقع ناءٍ بعيدًا عن أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين، على أنه انتصار دبلوماسي لروسيا. ليس فقط أن بوتين سيسافر إلى الولايات المتحدة دون مواجهة مباشرة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بل إن الاجتماع أيضًا يتجنب أي تنازلات روسية كبيرة بشأن أهداف الحرب. أشار أندريه كوزيريف، وزير الخارجية الروسي الأسبق، إلى أن الاجتماع بحد ذاته “مكسب سياسي لبوتين”، مسلطًا الضوء على غياب أي تكلفة حقيقية على الزعيم الروسي في ظلّ مواجهة ترامب لضغوط محلية ودولية.

بالنسبة للمسؤولين الأوكرانيين، تُثير القمة مخاوف من سعي بوتين لتحقيق عدة أهداف: الخروج من العزلة الدبلوماسية، وتجنب فرض عقوبات جديدة، واستغلال رغبة ترامب في وقف إطلاق النار لتأمين حل دبلوماسي لأهدافه العسكرية التي لم تتحقق. يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه القوات الروسية الضغط على المدن الأوكرانية في الشرق، محققةً تقدمًا إقليميًا كبيرًا.

أهداف بوتين الحربية وخطر تجميد الصراع

 

أوضح بوتين أن شروطه لحل الصراع لا تزال قائمة: يجب على أوكرانيا التخلي عن عضوية الناتو، ونزع السلاح، والخضوع لعملية “نزع النازية”، وهو ما يفسره النقاد على أنه ضغط لإزاحة زيلينسكي. كما يُصرّ بوتين على انسحاب أوكرانيا الكامل من المناطق التي تحتلها روسيا جزئيًا، بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك، على الرغم من أنه أشار إلى أن أوكرانيا يمكن أن تحافظ على سيادتها على مناطق معينة مقابل وصول روسيا إلى شبه جزيرة القرم. يعتقد المحللون أن هدف بوتين الحقيقي هو ضمان تجميد الصراع، مع حالة من الجمود مشابهة لسيناريو ما بعد الحرب الكورية، حيث تبقى خطوط المواجهة ثابتة إلى حد كبير. تسعى موسكو إلى إعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تشكيل مجال نفوذ جديد مع ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ. ويبدو أن بوتين حريص على إعادة تأكيد هيمنته، التي تُذكرنا بعهد ستالين، في سياق الحرب الباردة المتجددة.

دونالد ترامب، على اليسار، مع فلاديمير بوتين في عام 2018. تولى الرئيس الأمريكي منصبه واعدًا بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة.

المقاومة الأوكرانية ودعم وقف إطلاق النار

لا يزال الرأي العام في أوكرانيا يعارض بشدة التنازلات الإقليمية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى مقاومة شديدة للتنازل عن دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريزهيا لروسيا. ومع ذلك، تؤيد الأغلبية وقف إطلاق النار مع ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب تخفيف تدريجي للعقوبات المفروضة على روسيا.

مع اقتراب قمة ألاسكا، يحصل الجانبان على دعم دبلوماسي من حلفائهما. يضغط المفاوضون الأوكرانيون من أجل وقف إطلاق النار قبل بدء المفاوضات، بينما يحشد بوتين دعم حلفاء روسيا، بما في ذلك الصين والهند والإمارات العربية المتحدة.

 احتمال نشوب صراع متجمد

في الفترة التي تسبق القمة، يبقى التركيز الأساسي على احتمال نشوب “صراع متجمد” على طول خطوط المواجهة الحالية، حيث يسعى بوتين إلى تعزيز نفوذ روسيا بينما يخوض ترامب غمار المشهد الجيوسياسي المعقد. وبينما قد تُخفف القمة من وطأة التوتر على بوتين، إلا أن آفاق السلام الدائم لا تزال غير مؤكدة، إذ يستعد الجانبان لما قد يكون مواجهة جيوسياسية طويلة الأمد.

إقرأ ايضًا…

زيلينسكي يرفض اقتراح ترامب بتسليم أراض لروسيا

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى