ترامب ينتصر في حربه التجارية… لكن بأي كلفة اقتصادية؟

بينما تتجه أنظار العالم إلى السياسات التوسعية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبرز ملف الرسوم الجمركية كأحد أعمدة استراتيجيته لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. فبعد أشهر من التصعيد، بدأت الدول الصناعية الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، تخضع لسياسات واشنطن الجديدة، وتوافق على صفقات تجارية تتضمن رسوماً جمركية غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ورغم ما يبدو أنه “نصر تفاوضي” للرئيس الأمريكي، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من آثار جانبية واسعة قد تمس المستهلك الأمريكي، وتهدد النمو الاقتصادي في الأجل المتوسط.
إن ما يميز هذه الجولة من الحرب التجارية ليس فقط حجم الرسوم، بل فلسفة “الهيمنة الاقتصادية” التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، حيث تسعى لفرض شروطها على الحلفاء والخصوم على حد سواء. وبينما يروج البيت الأبيض لفكرة أن هذه الرسوم ستحفّز التصنيع المحلي وتخلق وظائف، تؤكد الأرقام أن الشركات العملاقة بدأت بالفعل في تحمل خسائر بالمليارات، وسط مؤشرات على تباطؤ في سلاسل الإمداد العالمية. فهل يكتب ترامب سطرًا جديدًا في تاريخ السياسات الحمائية؟ أم أنه يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى مواجهة غير محسوبة مع آليات السوق العالمية؟
نظام تجاري عالمي يتغير… وترامب في الصدارة
في غضون ستة أشهر فقط، تراجعت الولايات المتحدة عن عقود من التزاماتها تجاه النظام التجاري متعدد الأطراف، لتفرض واقعًا جديدًا قائمًا على “العقوبات الجمركية الموجهة”. فبدلاً من السعي إلى تخفيض الرسوم وفتح الأسواق، باتت واشنطن تستخدم اقتصادها الضخم كأداة ضغط، فارضة على الشركاء التجاريين – مثل اليابان والاتحاد الأوروبي – رسومًا تتراوح بين 15% و20% كشرط أساسي للاستمرار في التجارة مع الولايات المتحدة. الرسوم الأعلى طالت سلعًا استراتيجية مثل الفولاذ، فيما تعرضت دول مثل الصين لمستويات أكثر حدة من الإجراءات العقابية.
هذا التحول الجذري لم يكن مفاجئًا تمامًا، بل كان نابعًا من رؤية ترامب التي أعلنها منذ حملته الانتخابية الأولى، والتي ترى في العجز التجاري نوعًا من “السرقة الاقتصادية”. والمفارقة أن كثيرًا من الأسواق التي كانت تهتز في السابق من تغريدة واحدة للرئيس، باتت اليوم تتعامل مع سياساته باعتبارها “الوضع الطبيعي الجديد”.
الأسواق تتنفس الصعداء… لكن إلى متى؟
رغم قسوة الرسوم المعلنة، لم تشهد الأسواق العالمية ردود فعل كارثية كما كان متوقعًا. وفي تعليقه على الاتفاق الأوروبي الأمريكي الأخير، قال نايجل غرين، الرئيس التنفيذي لشركة “دي فير”، إن الاتفاق “يمثل إعادة ضبط، لا حلاً نهائيًا”. وأضاف: “قبل عام فقط، كانت الأسواق ستهتز بعنف، لكنها اليوم ممتنة لأنه لم يكن أسوأ”.
هذا الهدوء الظاهري قد يعكس أمرين: الأول، أن المستثمرين باتوا معتادين على اضطرابات ترامب، والثاني أن الخوف من صدام شامل دفع الدول الكبرى إلى التهدئة. إلا أن هذا لا يعني أن الاقتصاد العالمي بأمان، فالمؤشرات تؤكد أن الأثر الكامل للرسوم لم يظهر بعد، وأن سلاسل التوريد العالمية لا تزال في طور التكيف مع هذه المتغيرات.
الرسوم كأداة تحفيز للتصنيع المحلي.. بين النظرية والتكلفة
يصر ترامب على أن فرض رسوم جمركية مرتفعة سيشجع الشركات على العودة للتصنيع داخل أمريكا، ما يعني خلق فرص عمل وتحفيز النمو المحلي. لكن المعادلة ليست بهذه البساطة. فالبحث عن أرباح أعلى يدفع الشركات دائمًا نحو الإنتاج الأرخص، وفرض رسوم لا يعني بالضرورة أن المصنعين سيختارون العودة إلى السوق الأمريكية.
الشركات الكبرى بدأت بالفعل في الشعور بالأثر. جنرال موتورز وفولكسفاجن كشفتا عن خسائر تجاوزت المليار دولار لكل منهما نتيجة الرسوم. ومع توقعات بارتفاع متوسط الرسوم من أقل من 3% إلى ما يصل إلى 20%، فإن تكلفة الاستيراد سترتفع، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين، ويقلل من القدرة الشرائية، وبالتالي يُبطئ عجلة الاقتصاد.
هل يعيد ترامب تجربة ما قبل الحرب العالمية؟
يشبه المحلل كلايد بريستوويتز، وهو مسؤول أمريكي سابق، سياسات ترامب بما قبل عام 1946، حين كانت الدول تعتمد على “الحمائية الاقتصادية” لتحقيق فوائض تجارية. وهو ما فعلته دول مثل ألمانيا، فرنسا، كوريا، وحتى الولايات المتحدة نفسها في بداياتها الصناعية.
لكن السياق العالمي تغير. فالاقتصاد الأمريكي اليوم يعتمد على تشابكات دولية معقدة، وسلاسل إمداد مترابطة تمتد من آسيا إلى أوروبا. العودة إلى سياسات العزل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل العولمة التكنولوجية والمالية التي لا تعترف بالحدود الجمركية.
التأثير المؤجل: متى نشعر بالصدمة؟
وفقًا لديان سونك، كبيرة اقتصاديي شركة “KPMG”، فإن التأثير الكامل للرسوم الجمركية يحتاج ما بين 6 إلى 18 شهرًا ليظهر. تجربة الحرب التجارية مع الصين عام 2018، والتي لم تؤثر فورًا على الصناعة الأمريكية، تثبت أن الاقتصاد يستجيب ببطء.
القطاعات التي تعتمد على سلع استهلاكية مستوردة – مثل الأجهزة المنزلية، والملابس، ولعب الأطفال – ستبدأ في الشعور بالضغط بحلول خريف هذا العام، خصوصًا مع الرسوم التي تتراوح بين 20% و30% على منتجات آسيوية. هذه التأخيرات في الأثر تعني أن المستهلكين قد لا يدركون عمق الأزمة حتى يفوت الأوان.
اتفاقيات مؤقتة أم استقرار دائم؟
يرى البعض أن توقيع صفقات تجارية مع دول كبرى يجنّب الاقتصاد الأمريكي الدخول في حروب تجارية شاملة، لكن لا يمكن اعتبار ذلك “نصرًا اقتصاديًا” حقيقيًا. ستيفن أولسن، مفاوض تجاري أمريكي سابق، وصف الصفقة مع الاتحاد الأوروبي بأنها “حمائية بلا خجل ومرتزقة بلا اعتذار”. وأضاف أن الأوروبيين “لعبوا أوراقًا سيئة بأفضل طريقة ممكنة”.
لكن المشكلة الأعمق، كما يقول أولسن، أن ترامب لا يرى قيمة في علاقات تجارية متوازنة وعادلة، بل ينظر إلى العجز التجاري كوصمة يجب التخلص منها بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو زعزعة الثقة بين الحلفاء.
نصف خريطة التجارة ما زال غامضًا
بينما تتجه أنظار العالم إلى السياسات التوسعية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبرز ملف الرسوم الجمركية كأحد أعمدة استراتيجيته لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. فبعد أشهر من التصعيد، بدأت الدول الصناعية الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، تخضع لسياسات واشنطن الجديدة، وتوافق على صفقات تجارية تتضمن رسوماً جمركية غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ورغم ما يبدو أنه “نصر تفاوضي” للرئيس الأمريكي، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من آثار جانبية واسعة قد تمس المستهلك الأمريكي، وتهدد النمو الاقتصادي في الأجل المتوسط.
إن ما يميز هذه الجولة من الحرب التجارية ليس فقط حجم الرسوم، بل فلسفة “الهيمنة الاقتصادية” التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، حيث تسعى لفرض شروطها على الحلفاء والخصوم على حد سواء. وبينما يروج البيت الأبيض لفكرة أن هذه الرسوم ستحفّز التصنيع المحلي وتخلق وظائف، تؤكد الأرقام أن الشركات العملاقة بدأت بالفعل في تحمل خسائر بالمليارات، وسط مؤشرات على تباطؤ في سلاسل الإمداد العالمية. فهل يكتب ترامب سطرًا جديدًا في تاريخ السياسات الحمائية؟ أم أنه يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى مواجهة غير محسوبة مع آليات السوق العالمية؟
نظام تجاري عالمي يتغير… وترامب في الصدارة
في غضون ستة أشهر فقط، تراجعت الولايات المتحدة عن عقود من التزاماتها تجاه النظام التجاري متعدد الأطراف، لتفرض واقعًا جديدًا قائمًا على “العقوبات الجمركية الموجهة”. فبدلاً من السعي إلى تخفيض الرسوم وفتح الأسواق، باتت واشنطن تستخدم اقتصادها الضخم كأداة ضغط، فارضة على الشركاء التجاريين – مثل اليابان والاتحاد الأوروبي – رسومًا تتراوح بين 15% و20% كشرط أساسي للاستمرار في التجارة مع الولايات المتحدة. الرسوم الأعلى طالت سلعًا استراتيجية مثل الفولاذ، فيما تعرضت دول مثل الصين لمستويات أكثر حدة من الإجراءات العقابية.
هذا التحول الجذري لم يكن مفاجئًا تمامًا، بل كان نابعًا من رؤية ترامب التي أعلنها منذ حملته الانتخابية الأولى، والتي ترى في العجز التجاري نوعًا من “السرقة الاقتصادية”. والمفارقة أن كثيرًا من الأسواق التي كانت تهتز في السابق من تغريدة واحدة للرئيس، باتت اليوم تتعامل مع سياساته باعتبارها “الوضع الطبيعي الجديد”.
الأسواق تتنفس الصعداء… لكن إلى متى؟
رغم قسوة الرسوم المعلنة، لم تشهد الأسواق العالمية ردود فعل كارثية كما كان متوقعًا. وفي تعليقه على الاتفاق الأوروبي الأمريكي الأخير، قال نايجل غرين، الرئيس التنفيذي لشركة “دي فير”، إن الاتفاق “يمثل إعادة ضبط، لا حلاً نهائيًا”. وأضاف: “قبل عام فقط، كانت الأسواق ستهتز بعنف، لكنها اليوم ممتنة لأنه لم يكن أسوأ”.
هذا الهدوء الظاهري قد يعكس أمرين: الأول، أن المستثمرين باتوا معتادين على اضطرابات ترامب، والثاني أن الخوف من صدام شامل دفع الدول الكبرى إلى التهدئة. إلا أن هذا لا يعني أن الاقتصاد العالمي بأمان، فالمؤشرات تؤكد أن الأثر الكامل للرسوم لم يظهر بعد، وأن سلاسل التوريد العالمية لا تزال في طور التكيف مع هذه المتغيرات.
الرسوم كأداة تحفيز للتصنيع المحلي.. بين النظرية والتكلفة
يصر ترامب على أن فرض رسوم جمركية مرتفعة سيشجع الشركات على العودة للتصنيع داخل أمريكا، ما يعني خلق فرص عمل وتحفيز النمو المحلي. لكن المعادلة ليست بهذه البساطة. فالبحث عن أرباح أعلى يدفع الشركات دائمًا نحو الإنتاج الأرخص، وفرض رسوم لا يعني بالضرورة أن المصنعين سيختارون العودة إلى السوق الأمريكية.
الشركات الكبرى بدأت بالفعل في الشعور بالأثر. جنرال موتورز وفولكسفاجن كشفتا عن خسائر تجاوزت المليار دولار لكل منهما نتيجة الرسوم. ومع توقعات بارتفاع متوسط الرسوم من أقل من 3% إلى ما يصل إلى 20%، فإن تكلفة الاستيراد سترتفع، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين، ويقلل من القدرة الشرائية، وبالتالي يُبطئ عجلة الاقتصاد.
هل يعيد ترامب تجربة ما قبل الحرب العالمية؟
يشبه المحلل كلايد بريستوويتز، وهو مسؤول أمريكي سابق، سياسات ترامب بما قبل عام 1946، حين كانت الدول تعتمد على “الحمائية الاقتصادية” لتحقيق فوائض تجارية. وهو ما فعلته دول مثل ألمانيا، فرنسا، كوريا، وحتى الولايات المتحدة نفسها في بداياتها الصناعية.
لكن السياق العالمي تغير. فالاقتصاد الأمريكي اليوم يعتمد على تشابكات دولية معقدة، وسلاسل إمداد مترابطة تمتد من آسيا إلى أوروبا. العودة إلى سياسات العزل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل العولمة التكنولوجية والمالية التي لا تعترف بالحدود الجمركية.
التأثير المؤجل: متى نشعر بالصدمة؟
وفقًا لديان سونك، كبيرة اقتصاديي شركة “KPMG”، فإن التأثير الكامل للرسوم الجمركية يحتاج ما بين 6 إلى 18 شهرًا ليظهر. تجربة الحرب التجارية مع الصين عام 2018، والتي لم تؤثر فورًا على الصناعة الأمريكية، تثبت أن الاقتصاد يستجيب ببطء.
القطاعات التي تعتمد على سلع استهلاكية مستوردة – مثل الأجهزة المنزلية، والملابس، ولعب الأطفال – ستبدأ في الشعور بالضغط بحلول خريف هذا العام، خصوصًا مع الرسوم التي تتراوح بين 20% و30% على منتجات آسيوية. هذه التأخيرات في الأثر تعني أن المستهلكين قد لا يدركون عمق الأزمة حتى يفوت الأوان.
اتفاقيات مؤقتة أم استقرار دائم؟
يرى البعض أن توقيع صفقات تجارية مع دول كبرى يجنّب الاقتصاد الأمريكي الدخول في حروب تجارية شاملة، لكن لا يمكن اعتبار ذلك “نصرًا اقتصاديًا” حقيقيًا. ستيفن أولسن، مفاوض تجاري أمريكي سابق، وصف الصفقة مع الاتحاد الأوروبي بأنها “حمائية بلا خجل ومرتزقة بلا اعتذار”. وأضاف أن الأوروبيين “لعبوا أوراقًا سيئة بأفضل طريقة ممكنة”.
لكن المشكلة الأعمق، كما يقول أولسن، أن ترامب لا يرى قيمة في علاقات تجارية متوازنة وعادلة، بل ينظر إلى العجز التجاري كوصمة يجب التخلص منها بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو زعزعة الثقة بين الحلفاء.
نصف خريطة التجارة ما زال غامضًا
رغم أن صفقات ترامب الأخيرة غطّت جزءًا من
اقرأ أيضاً:
78 ساعة على تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ 2025