ليس صاروخ “توماهوك” وحده.. الجيش الأوكراني يحتاج أكثر من ذلك لصد روسيا

خلال الأسابيع الماضية، ركّزت وسائل الإعلام على نجاح أوكرانيا في مواجهتها مع روسيا، حيث برز الحديث عن صواريخ “توماهوك” الأمريكية باعتبارها عنصر الحسم في المعارك. لكن القادة و الجنود الأوكرانيين على الجبهة الأمامية كشفوا أن الواقع أكثر تعقيدًا من مجرد الاعتماد على هذه المنظومة، وأن النقص في المعدات الأساسية يلعب دورًا بالغ الأهمية في قدرة الجيش على الصمود وصد الهجمات المتكررة. فبينما تتوافر الدبابات والقذائف الثقيلة، تعاني السرية الأوكرانية من صعوبة نقل الجنود والإمدادات بسرعة وأمان، بسبب تراجع عدد المركبات العاملة وعدم كفاية الطائرات بدون طيار، إضافة إلى العجز الكبير في الكوادر البشرية المدربة، وهو ما يجعل المعارك أكثر صعوبة ويزيد من الضغط على وحدات الجيش على الجبهة الأمامية، ويكشف الحاجة الملحة إلى دعم شامل يتجاوز السلاح الحديث إلى المعدات اللوجستية والكوادر المؤهلة.
الاحتياجات الأساسية تتجاوز الصواريخ
تعتمد الوحدات الأوكرانية في الجبهة، والتي يتراوح عدد أفراد السرية الواحدة بينها من 50 إلى 70 جنديًا، على السيارات العاملة لنقل الجنود بسرعة إلى مواقع القتال، سواء لمسافات قصيرة أو لمسافة كيلومتر واحد، ما يتيح لهم المناورة وتفادي الهجمات المباشرة. هذه السيارات، رغم بساطتها، تمثل شريان الحياة للجبهة، ولكنها تتعرض باستمرار للتلف نتيجة الطرق المتهالكة وسوء الصيانة. وفي مناطق عدة، تكاد المركبات المدرعة تكون شبه معدومة، كونها أهدافًا رئيسية للطائرات الروسية بدون طيار التي يصل مداها إلى نحو 20 كيلومترًا، حتى المعدات المدرعة الحديثة مثل “ماكس برو” الأمريكية المقاومة للألغام أو “كيربي” التركية تواجه صعوبة في تفادي الهجمات وتتعرض للتدمير بسرعة، ما يعكس تحديًا كبيرًا في الحفاظ على قدرة الحركة والدعم اللوجستي أثناء المعارك.
السيارات العاملة.. شريان الحياة للجبهة
من الناحية المثالية، يجب أن تمتلك كل سرية خمسة سيارات على الأقل، بحيث يمكن استبدال أي سيارة مدمرة دون تعطيل الحركة وإبقاء السرية قادرة على التحرك بحرية. لكن القادة والجنود كشفوا عن وجود عجز كبير في السيارات العاملة، بحيث تعتمد بعض السرية على سيارة واحدة فقط لنقل الجنود وتسليم الإمدادات الغذائية والأسلحة، ما يجعل من الصعب إدارة العمليات في آن واحد. عدم توافر هذه المركبات يؤدي إلى تعطيل الحركة العسكرية، ويزيد من المخاطر على الجنود أثناء الانتقال بين المواقع المختلفة، إذ تُصبح أي مركبة هدفًا سهلاً للطائرات بدون طيار الروسية، وهذا يجعل الخسائر المادية والبشرية تتضاعف.

نقص الطائرات بدون طيار وتأثيره على المعارك
يعاني الجيش الأوكراني أيضًا من نقص الطائرات بدون طيار، والتي تفقد باستمرار سواء من إسقاطها بواسطة الدفاعات الروسية أو بسبب عمليات الحرب الإلكترونية. ومع هذا النقص، يضطر الجيش لإطلاق حملات جمع التبرعات لتعويض التكلفة الباهظة لاستبدال الطائرات، ما يعكس الضغط الكبير على الموارد اللوجستية. هذه الطائرات تعتبر ضرورية للمراقبة والاستطلاع وتوجيه القوات، ونقصها يقلل من قدرة الجيش على رصد تحركات العدو والتخطيط للمعارك بدقة، ويجعل الجنود أكثر عرضة للمفاجآت في ميدان القتال، مما يضيف تحديًا استراتيجيًا إضافيًا يتجاوز مسألة القوة النارية وحدها.
الكوادر البشرية.. النقص الأكبر
أوضح الخبراء العسكريون الأوكرانيون أن النقص الأكبر الذي يعاني منه الجيش هو في الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة، بعد أن شهدت صفوف المتطوعين تراجعًا كبيرًا منذ عام 2023. فالخسائر البشرية الكبيرة في الجبهات الساخنة لم يتم تعويضها بشكل كامل، في حين يواصل الجيش الروسي تجنيد أعداد أكبر من الرجال لتعويض خسائره الشهرية. ومن بين نحو 30 ألف شخص يتم حشدهم شهريًا، يعتبر ثلثهم فقط جاهزين للقتال، بينما نصفهم تقريبًا من الجنود العائدين من الغياب دون إذن أو غير المتواجدين في الوقت المحدد، ما يجعل الألوية المشاركة في المعارك بالكاد تتلقى مجندين مجهزين، أو لا تتلقى أيًا منهم على الإطلاق، وهو ما يهدد قدرة الجيش على الصمود واستمرار العمليات الهجومية والدفاعية.

الجبهة تحتاج إلى دعم شامل
يبين الوضع الراهن أن النجاح العسكري الأوكراني لا يمكن أن يعتمد على منظومة صواريخ متطورة وحدها، بل يتطلب دعمًا متكاملًا يشمل المعدات الأساسية مثل السيارات العاملة والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى توفير كوادر بشرية مدربة ومستعدة للقتال. دون هذا الدعم الشامل، تصبح قدرة الجيش على مواجهة الهجمات الروسية محدودة، وتبقى المخاطر مرتفعة على الجبهات الساخنة، فيما يظل الضغط على الوحدات الأمامية يتصاعد مع كل مواجهة، مؤكدًا أن الحرب تتطلب أكثر من مجرد أسلحة حديثة، بل منظومة متكاملة من دعم لوجستي وبشري يضمن استمرارية العمليات وفعالية الدفاع.



