عرب وعالم

تاكايتشي وترامب في طوكيو: مواجهة التحديات الاقتصادية والدفاعية والإقليمية

تستعد رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي للقاء حاسم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في طوكيو، في ظل ملفات شائكة تشمل التعريفات الجمركية، الإنفاق الدفاعي، والتوترات الإقليمية. اللقاء يأتي بعد وصول ترامب إلى اليابان ضمن جولته الآسيوية التي تسبق اجتماعه المرتقب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في محاولة لتهدئة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين عالميًا. تاكايتشي، التي تتمتع بنسبة تأييد محلية تصل إلى 71%، تحاول الحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق بين واشنطن وبكين، مع العمل على تعزيز التحالف الأمني والاقتصادي مع الولايات المتحدة. وقد أشاد ترامب بها خلال مكالمة هاتفية مؤخراً، واصفاً إياها بأنها “رائعة وودودة للغاية”، فيما تؤكد اليابان رغبتها في تعزيز التعاون الاستراتيجي مع واشنطن دون الإضرار بعلاقاتها التجارية الحيوية مع الصين، وهو ما يجعل هذا اللقاء اختبارًا دبلوماسيًا واقتصاديًا شديد الأهمية لرئيسة الوزراء الجديدة.

 

حرب التعريفات والاستثمارات

 

يمثل ملف التعريفات الجمركية أحد أبرز التحديات أمام تاكايتشي، خاصة بعد أن أعاد ترامب إشعال النزاعات التجارية مع الحلفاء التقليديين. وبعد مفاوضات طويلة، تم تخفيض التعريفات على السلع اليابانية من 25% إلى 15%، مقابل التزام طوكيو باستثمار ضخم يصل إلى 550 مليار دولار في الصناعات الأمريكية.

ومع ذلك، تظل العديد من التفاصيل غامضة، ومن المتوقع أن تسعى تاكايتشي للحصول على وضوح أكبر حول هذه الترتيبات، لتجنب أي التباسات قد تؤثر على الاقتصاد الياباني. ولتعزيز موقفها، استعانت رئيسة الوزراء بمفاوضين مخضرمين، بمن فيهم ريوسي أكازاوا والمساعدون السابقون لرئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذين يتمتعون بعلاقات قوية مع البيت الأبيض، وهو ما يمنحها خبرة دبلوماسية مطلوبة لمواجهة شخصية ترامب غير القابلة للتنبؤ، وضمان سير المفاوضات في مسار آمن ومثمر.

 

طموحات دفاعية متسارعة

 

يتصدر ملف الإنفاق الدفاعي جدول أعمال اللقاء، إذ تسعى تاكايتشي لتسريع خطط رفع الإنفاق الدفاعي الياباني إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول مارس 2026، بدلاً من عام 2027، تلبيةً لتوقعات إدارة ترامب التي تضغط على حلفائها لزيادة مساهماتهم الدفاعية. كما ستبحث اليابان شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية المكلفة، وزيادة الاستضافة لنحو 50 ألف جندي أمريكي، وفقًا لمعاهدة الأمن الثنائية. ورغم التحديات المالية، بما في ذلك ضعف الين وتخفيضات ضريبية محتملة، تبذل تاكايتشي جهودًا كبيرة لتحقيق توازن بين المتطلبات الدفاعية وتداعياتها الاقتصادية، في ظل مخاوف من تراجع التزام الولايات المتحدة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يجعل الضغط على الحكومة اليابانية الجديدة شديدًا، ويستدعي خطوات محسوبة لضمان تحقيق أهداف الدفاع دون التأثير على الاستقرار المالي الوطني.

 

ملفات الطاقة والتوازن الإقليمي

 

إلى جانب القضايا الاقتصادية والدفاعية، يبرز ملف الطاقة كأحد أبرز المواضيع على طاولة المفاوضات بين طوكيو وواشنطن، إذ تعتمد اليابان على روسيا لتوفير نحو 10% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يجعل أي تغيّر مفاجئ في الإمدادات يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة الياباني. وتطالب واشنطن بالحد من هذا الاعتماد على موسكو، لكن تاكايتشي تواجه تحديًا مزدوجًا يتمثل في ضرورة تأمين احتياجات بلدها الحيوية مع المحافظة على توازنها الدبلوماسي بين القوى الكبرى. إضافة إلى ذلك، تمثل الصين التحدي الأكبر والأكثر حساسية، فهي الشريك التجاري الأكبر لليابان، ويمثل تحسين العلاقات معها دون الإضرار بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة اختبارًا دقيقًا لرؤية تاكايتشي السياسية وقدرتها على إدارة الملفات الدولية المعقدة، وضمان استقرار اليابان اقتصاديًا وسياسيًا في المنطقة.

تاكايتشي تواجه تحديًا مزدوجًا بين تقليل الاعتماد على روسيا وتأمين توازن دبلوماسي مع الصين والولايات المتحدة.

نهج جديد في السياسة الخارجية

 

على الرغم من خلفيتها المتشددة في السياسة، بما في ذلك موقفها من الصين وكوريا الجنوبية، ألمحت تاكايتشي منذ توليها المنصب إلى نهج أكثر ليونة، ساعية لتخفيف التوتر مع الجيران وتعزيز التعاون متعدد الأطراف. فقد أشادت خلال مؤتمرها الصحفي بالمنتجات الكورية، مؤكدة أهمية التعاون مع كوريا الجنوبية في عالم غير مستقر، في إشارة إلى استمرار السياسة الشبكية التي تشجعها واشنطن. وتُعد هذه الخطوة محاولة لإظهار قدرة اليابان على الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والأمنية، مع الحفاظ على تحالف قوي مع الولايات المتحدة وتقليل الاعتماد على الدعم الأمريكي المباشر في المنطقة. كما تعكس حرص تاكايتشي على تقديم صورة إيجابية للسياسة الخارجية اليابانية، تعكس مرونة في التعامل مع الأزمات الإقليمية، وتعزز مكانة بلادها على الساحة الدولية.

 

لقاء استراتيجي يحمل آمالًا اقتصادية

 

يأتي لقاء تاكايتشي وترامب في ظل الجولة الآسيوية للرئيس الأمريكي، التي تسبق اجتماعه المرتقب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وسط آمال كبيرة بتحقيق تقدم ملموس في الملفات الاقتصادية والاستراتيجية. اللقاء في طوكيو يمثل فرصة لتأكيد التحالف الأمني والاقتصادي بين اليابان والولايات المتحدة، ويمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة تاكايتشي على الموازنة بين الملفات التجارية والدفاعية والإقليمية. ترامب أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري، بينما أعلنت الصين عن “توافق أولي” لتسوية خلافاتها الاقتصادية مع واشنطن. نجاح تاكايتشي في هذا اللقاء سيكون مؤشرًا على قدرتها على تعزيز موقع اليابان على الساحة الدولية، وتقوية التحالف مع الولايات المتحدة، في وقت تسعى فيه طوكيو للحفاظ على استقرار علاقاتها مع القوى الكبرى دون المساس بمصالحها الوطنية، وهو ما يجعل هذا اللقاء حجر زاوية في مسيرة الحكومة اليابانية الجديدة.

اقرأ أيضاً

ليس صاروخ “توماهوك” وحده.. الجيش الأوكراني يحتاج أكثر من ذلك لصد روسيا

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى