الوكالات

التليجراف: ستارمر يدعو أوروبا لتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى

ذكرت صحيفة التليجراف البريطانية أن رئيس الوزراء كير ستارمر وجّه نداءً حازمًا إلى القارة الأوروبية لتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، في وقت تتزايد فيه الضربات الروسية على البنية التحتية الحيوية في كييف ومدن الشرق. وجاءت دعوته خلال لقائه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقر الحكومة البريطانية بـ«داوننغ ستريت»، حيث شدّد على أن «الردع لا يتحقق إلا بالمدى»، داعيًا العواصم الأوروبية إلى تجاوز الحذر التقليدي في ملف التسليح. وأكد ستارمر أن بلاده كانت ولا تزال في مقدمة الداعمين لكييف، مشيرًا إلى أن الوقت حان لردع موسكو بفاعلية أكبر بدلًا من الاكتفاء بالدفاع السلبي، وأن أمن أوروبا لن يُحمى إلا بتغيير قواعد اللعبة.

رمزية المشهد الدبلوماسي

استقبل ستارمر ضيفه الأوكراني بالسجادة الحمراء والعناق أمام رقم 10 داوننغ ستريت، في مشهد رمزي يختزل عمق التحالف البريطاني–الأوكراني. داخل القاعة، ناقش الطرفان ملفات الأمن الأوروبي والدفاع الجوي وإعادة بناء شبكة الطاقة الأوكرانية قبل حلول الشتاء. وقال زيلينسكي، الذي زار لندن بعد لقائه الملك تشارلز الثالث، إن “بريطانيا كانت دائمًا معنا منذ اليوم الأول”. وردّ ستارمر بكلمة واحدة موجزة ولكنها كافية: “دائمًا”. لم يكن اللقاء مجرد بروتوكول، بل رسالة ضمنية إلى باريس وبرلين وبروكسل بأن لندن ترى أن الردع لا يحتمل التأجيل، وأن “المدى” أصبح خط الدفاع الجديد في مواجهة موسكو التي تراهن على الزمن.

لقاء ستارمر وزيلينسكي أكد تحالف لندن وكييف ودعا أوروبا لتسريع الردع ضد موسكو.

قمة التحالف الراغب تحت ضغط الحرب

في لندن، اجتمع نحو عشرين زعيمًا أوروبيًا ضمن ما يُعرف بـ“التحالف الراغب”، وهو تكتل يضم الدول التي تعهّدت بدعم أوكرانيا عسكريًا في حال التوصل إلى اتفاق سلام هشّ. ضمّ اللقاء حضور الأمين العام للناتو مارك روتّه، ورئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن، ورئيس وزراء هولندا ديك سخوف، بينما شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من القادة عبر الاتصال المرئي. وتمحورت النقاشات حول ثلاثة محاور رئيسية: تعزيز شبكات الطاقة الأوكرانية ضد القصف الروسي، وتوسيع قدرات الدفاع الجوي، وإمداد كييف بقدرات هجومية بعيدة المدى. في هذا الإطار، شدّد ستارمر على أن الردع يتطلّب تجاوز الخطوط الحمراء الألمانية وتحرير القرار الأوروبي من قيود الخوف.

 

خلاف ألماني يعرقل الإجماع

رغم وحدة الموقف العام، لا تزال ألمانيا تمثل الاستثناء الحذر في معادلة التسليح الأوروبي. فبينما زوّدت بريطانيا وفرنسا أوكرانيا بصواريخ Storm Shadow وSCALP في 2024، ترفض برلين حتى الآن تسليم نظامها الصاروخي Taurus KEPD 350، بحجة الخشية من التصعيد أو الرد الروسي المباشر. وتؤكد الحكومة الألمانية أن المسألة “قانونية وتقنية” بقدر ما هي سياسية، لأن “تاوروس” قادر على ضرب أهداف بعمق أكثر من 500 كيلومتر داخل الأراضي الروسية. لكنّ مصادر بريطانية وأوكرانية اعتبرت هذا التبرير غير كافٍ في ظل تغيّر موازين الردع. وقال دبلوماسي أوروبي مشارك في قمة لندن: “إذا لم نرفع كلفة الحرب على موسكو داخل أراضيها، فسيدفع الأوكرانيون الثمن مضاعفًا على جبهاتهم”.

“المدى ضمان للسلام”

أكد كير ستارمر أن توسيع المدى ليس تصعيدًا بل ردعًا مشروعًا لحماية المدنيين. وأوضح أن على أوكرانيا امتلاك القدرة على استهداف قواعد الإطلاق ومستودعات الذخيرة داخل روسيا، لأن الردع في القرن الحادي والعشرين يعتمد على الفاعلية لا الحذر. وفي الاجتماع المغلق، دعا إلى نقل النقاش الأوروبي “من خانة الخوف إلى خانة القرار”. من جانبه، شكر زيلينسكي بريطانيا على موقفها الثابت، مؤكدًا أن بلاده تحتاج إلى الصواريخ بعيدة المدى قبل حلول الشتاء القارس الذي تستخدمه موسكو كسلاح. وقال: “نحتاج المال في بداية العام المقبل، والسلاح الآن قبل أن يبدأ الشتاء”. تصريحاته عكست حجم القلق في كييف من تأخر الدعم الأوروبي.

ستارمر يدعو أوروبا لردع روسيا عبر تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، وزيلينسكي يحذر من خطورة تأخر الدعم قبل الشتاء.

تهديد روسي ورد بارد من لندن

ردّ الكرملين عبر المتحدث ديمتري بيسكوف مهدّدًا بأن أي استخدام للصواريخ الغربية ضد العمق الروسي سيقابَل بـ“رد مذهل”. وأضاف أن محاولة استهداف الأراضي الروسية “تجاوز غير مقبول”. وأعقب ذلك تحذير جديد من الرئيس فلاديمير بوتين من “عواقب خطيرة” في حال تنفيذ أوكرانيا ضربات داخل روسيا. لكن لندن تجاهلت التهديد، مؤكدة أن كل أنظمة التسليح تُسلم بشروط استخدام واضحة. وقال مصدر في وزارة الدفاع البريطانية: “لا أحد يريد التصعيد، لكن لا يمكن القبول بأن تستخدم موسكو سلاح الطاقة لتجميد ملايين المدنيين دون رد”. هكذا بدت بريطانيا متمسكة بسياسة “الردع بالمثل” حتى وإن ارتفعت نبرة الكرملين.

عقوبات ترامب النفطية تغيّر المعادلة

بالتزامن مع اللقاء البريطاني–الأوكراني، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات على شركتي النفط الروسيتين “روسنفت” و“لوك أويل” في أول حزمة من نوعها منذ توليه الحكم. ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، جاء القرار بعد اطلاعه على صور قصف روسي دمّر حضانة أطفال في خاركيف، ليقول لفريقه: “لقد حان وقت دفع الثمن”. واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تمثّل تحولًا في سياسة واشنطن تجاه موسكو. وقد أيّد وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسث القرار، فيما أشاد ستارمر به معتبرًا أنه “خطوة ينبغي أن تُبنى عليها أوروبا لتضييق الخناق على اقتصاد الحرب الروسي”، ما أعطى الانطباع بأن لندن وواشنطن باتتا تتحركان بإيقاع واحد.

عقوبات ترامب على شركات النفط الروسية تعكس تحولًا حادًا في موقف واشنطن وتنسيقًا متزايدًا مع لندن ضد موسكو.

الانقسام المالي الأوروبي

ورغم التوافق العسكري النسبي، تعاني أوروبا من خلافات مالية عميقة بعد فشل تمرير خطة قرض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا من عوائد الأصول الروسية المجمّدة. ورفضت بلجيكا المصادقة على الخطة بحجة المخاطر القانونية، إذ تحتفظ بنحو 190 مليار يورو من هذه الأصول عبر مؤسسة Euroclear في بروكسل. وقال رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر إن “الأساس القانوني ليس رفاهية”، مؤكدًا أن بلاده لن تخاطر باستقرار نظامها المالي. ورغم دعم برلين وباريس، اكتفى القادة الأوروبيون بالدعوة إلى مزيد من التشاور قبل ديسمبر المقبل، ما يعني أن كييف قد تواجه عجزًا ماليًا حادًا في 2026، يهدد قدرتها على تمويل الدفاع وصيانة بنيتها التحتية.

الشتاء ومعركة الطاقة

في مواجهة شتاء قاسٍ يقترب بسرعة، حذّرت وزارة الطاقة الأوكرانية من فقدان 60% من القدرة على إنتاج الغاز الطبيعي بعد الضربات الروسية الأخيرة. وتوقعت الحكومة “كارثة إنسانية” إن لم تحصل على مولدات ومحولات بشكل عاجل. وفي زيارة مفاجئة لكييف، أعلنت وزيرة الاقتصاد الألمانية كاثرينا رايشه عن حزمة دعم جديدة لقطاع الطاقة، مؤكدة أن “روسيا تحاول تعذيب المدنيين بالظلام والبرد”. وأضافت أن برلين ستقدّم المساعدات ماديًا ولوجستيًا لمنع انهيار شبكة الطاقة الأوكرانية. وفي المقابل، كثّفت موسكو هجماتها في الشرق والجنوب، في حين شنّت كييف ضربات بطائرات مسيّرة استهدفت مستودعات داخل الأراضي الروسية.

 

دعم ملكي ورسالة رمزية

التقى زيلينسكي الملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور خلال زيارته إلى بريطانيا، في لقاء ثالث هذا العام. تبادل الطرفان كلمات دعم قصيرة وسط عزف النشيد الأوكراني، وقال الملك: “نحن وحلفاؤنا نقف مع أوكرانيا لردع العدوان وتحقيق السلام.” اللقاء، الذي جاء في لحظة حساسة من الحرب، حمل رسالة واضحة بأن دعم لندن لكييف لا يقتصر على الحكومة بل يمتد إلى المؤسسة الملكية ذاتها. واعتبر مراقبون أن هذا الظهور الملكي يهدف إلى طمأنة الداخل البريطاني وتأكيد التزام المملكة طويل الأمد تجاه الدفاع عن القيم الديمقراطية الأوروبية في وجه التهديد الروسي.

لقاء رمزي أكد استمرار دعم بريطانيا، ملكًا وحكومةً، لأوكرانيا في مواجهة روسيا.

بين المدى والزمن

مع نهاية يوم طويل من الاجتماعات والبيانات والابتسامات الدبلوماسية، وقف ستارمر أمام الصحفيين مؤكدًا أن “كل تأخير يمنح روسيا زمام المبادرة”. وبين “المدى الطويل” الذي يسعى إليه و“المدى المحدود” الذي تخشاه أوروبا، يقف مصير الحرب الأوكرانية على حافة قرار سياسي. فالقضية لم تعد ما إذا كانت كييف ستحصل على الصواريخ، بل متى ستحصل عليها. ومع اقتراب الشتاء، يبدو أن الزمن أصبح عدوًا جديدًا لأوكرانيا، وأن سرعة القرار الأوروبي قد تحدد مستقبل الأمن في القارة. في هذا السباق بين الإرادة والوقت، تبقى لندن في الصدارة، تُصر على أن الردع يبدأ من المدى.

اقرا ايضا

ترامب يصنع عالمه الخاص: من الانتقام السياسي إلى الهيمنة الكاملة على النظام الأمريكي

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى