“هذه معركة من أجل الحياة”: خبيرة مناخ تحذر من نقاط التحول والكوارث المناخية وعبثية الاتكال على الثروة كدرع واقٍ

تقول الدكتورة جنيفيف غونثر، خبيرة التواصل في أزمة المناخ، إن الافتراضات الاقتصادية التي طالما استخدمت لتقليل مخاطر أزمة المناخ لم تعد صالحة. مع ازدياد مستويات ثاني أكسيد الكربون وارتفاع حرارة المحيطات ومستويات البحار عامًا بعد عام، تؤكد غونثر أن المشكلة لم تعد في تصاعد تدريجي فحسب، بل في “نقاط تحول” قد تكون تغيرت بالفعل دون رجعة – وهي لحظات حرجة يمكن أن تؤدي إلى تحولات كارثية لا رجعة فيها في نظام الأرض.
من “أوقفوا الصمت المناخي” إلى تحذيرات صارخة
غونثر، مؤسسة مبادرة “أوقفوا الصمت المناخي”، حذّرت في مقابلة مع الغارديان قبيل مؤتمر “نقاط التحول العالمية” المرتقب، من تجاهل سيناريوهات الكوارث في الخطاب العام. وقالت: “علينا أن نصحح الرواية الزائفة بأن الخطر المناخي تحت السيطرة… هذه المخاطر قد تطيح بالأسس التي تقوم عليها حضارتنا”.
“نقاط التحول”: متى نتجاوز الخط الفاصل؟
توضح غونثر أن نقاط التحول تشمل نظمًا بيئية مركزية مثل الأنهار الجليدية، والدورات البحرية، وغابات الأمازون والشعاب المرجانية. أي خلل فيها قد يطلق حلقات تغذية راجعة تزيد من حرارة الكوكب أو تعطل المناخ العالمي بصورة لا يمكن التنبؤ بها. وتقول: “الأسوأ أننا قد نكون بالفعل قد تجاوزنا بعضها دون أن نعي”.
من التفاؤل الزائف إلى غضب الناشطين
تحدثت غونثر عن التحول في المزاج العالمي بعد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 2018، حين أوضح العلماء لأول مرة الفرق الكارثي بين ارتفاع درجتي حرارة 1.5 و2 مئوية. أثار التقرير موجة من الوعي البيئي والاحتجاجات الشبابية، ودفعت الحكومات إلى تقديم تعهدات وسياسات جديدة.
“تفاؤل مخدر”: الخطر في التهوين
لكن سرعان ما ظهرت مقاومة من داخل الحركة المناخية ذاتها، تمثلت في تيار يفضل “التفاؤل البنّاء” ويراهن على تحفيز الاستثمار الرأسمالي في الطاقة النظيفة، محذرًا من أن التخويف المفرط قد ينفّر المستثمرين. غير أن غونثر ترى أن هذا التفاؤل “المخدر” خطر في ذاته، مشيرة إلى أن ارتفاع حرارة الأرض بـ3 درجات مئوية – كما تشير بعض النماذج – سيكون كارثة كاملة للبشرية، وليس مدعاة للطمأنينة.
الأطفال في منازلنا هم الضحايا المحتملون
تحذر غونثر من أن بعض الناس يشعرون بأن الكارثة بعيدة زمنيًا أو جغرافيًا. “لكن الأطفال الذين نراهم أمامنا اليوم قد يعيشون في عالم غير قابل للحياة”، تقول. ولهذا، تعتبر أن الحديث عن سيناريوهات الكوارث هو وسيلة فعالة لكسر هذا الشعور الزائف بالمسافة والأمان.
القلق المناخي: متى يكون دافعًا ومتى يتحول إلى شلل؟
في كتابها لغة السياسة المناخية، تميّز غونثر بين ثلاثة أنواع من “العدمية المناخية” (Doomerism):
يأس خاطئ ناجم عن فهم مشوش للعلم، والاعتقاد بأن الانهيار آتٍ لا محالة.
عدمية نرجسية يدعي أصحابها أنهم وحدهم قادرون على رؤية الحقيقة القاسية.
عدمية واقعية ناتجة عن الإحباط السياسي، وإدراك أن أصحاب القرار لا يكترثون بإحراق العالم.
تقول إن الأخيرة هي الأخطر والأكثر صدقًا، لكنها تؤمن بأن مواجهة هذا النوع من الإحباط لا تكون بالاستسلام، بل بتحويل الخوف إلى فعل جماعي.
الاقتصاد والتجاهل المتعمد للمخاطر
تنتقد غونثر اعتماد بعض الاقتصاديين، مثل الحائز على نوبل ويليام نوردهوس، على نماذج تقلل من الخسائر الاقتصادية المتوقعة نتيجة أزمة المناخ. تقول إن هذه النماذج تتجاهل الخسائر الفعلية في قطاعات مثل البنية التحتية والعمل والتأمين والخدمات الحكومية، ولا تأخذ في الحسبان مخاطر الحروب أو نقاط التحول المناخية.
الثقة العمياء في الرأسمالية
“الاعتقاد بأن الاقتصاد يمكنه الصمود في وجه كارثة بيئية عالمية هو إيمان أعمى بالرأسمالية، وليس علمًا”، تؤكد.
الثروة ليست درعًا مانعًا
ترفض غونثر الفكرة القائلة بأن الثروة ستحمي الأغنياء من تداعيات المناخ، قائلة إن هذه الحجة “ليست فقط بلا أساس علمي، بل تشكل تشويهًا للواقع”. فالأزمة بدأت بالفعل بالانتشار، وقد تتسارع بشكل مرعب إذا تجاوزنا نقاط التحول الحرجة.
من “سكري الأرض” إلى “سرطان المناخ”
ترى غونثر أن تصوير التغير المناخي كمرض مزمن يمكن التعايش معه – كما يصور البعض – هو تبسيط مضر. بل ترى أن التشبيه الأدق هو السرطان: مرض يبدأ خفيًا ثم ينتشر حتى يصبح لا يمكن علاجه. وتضيف: “هذا صراع من أجل الحياة، ويتطلب شجاعة هائلة. لم أكن أرى نفسي مقاتلة، لكنني أصبحت واحدة، بدافع الحب، لأجل ابني وأطفال العالم أجمع”.
الحب طاقة لا تنضب
وتختتم قائلة: “أعتقد أن الحب طاقة لا تنضب. هو أقوى من الجشع والكراهية. ولو لم يكن كذلك، لما كنا هنا أصلًا”.