صراع غير مرئي بين إيران وإسرائيل في ميادين الحرب السيبرانيه
الذكاء الاصطناعي يحكم الزناد

بينما تتّجه الأنظار إلى ما يحدث على الأرض في غزة، تندلع وراء الستار حرب من نوع مختلف تمامًا. تكتيك القتال نفسه لا يمسك بيده متفجرات او اسلحه عاديه بشكل مباشر او حتي يلجأ فيها الجندي للتدخل بيده لتفجير الذخائر، بل تعمل فيها الخوارزميات، وتتحرك عبر أسلاك الإنترنت. صراع تكنولوجي متسارع بين إيران وإسرائيل، صراع بلا صوت لكنه لا يقلّ وحشيه عن أي حرب مألوفه.
خوارزميات القتل.. كيف تُنفَّذ الضربات؟
في السنوات الأخيرة، اعتمدت إسرائيل على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي بدورها اصبحت هي من تأخذ قرار الحرب وهي صانعة القرار الحقيقي بشكل متسارع في العمليات العسكرية. وطورت برمجيات قادرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، لتحديد الأهداف التي يُفترض أنها “تشكل تهديدًا” بشكل آلي.
والمثير للدهشة فعلا انه ساعد في ارض الواقع ولم يكن فقط تصور تكنولوچي ؛ ففي بعض العمليات، أصبحت الطائرات المسيّرة لا تحتاج إلا إلى تأكيد سريع من ضابط بشرى، وتبدأ التنفيذ، اعتمادًا على ترشيحات الخوارزمية. والتي ينتج عنها آلاف الاهداف التي يُنفذ تجاهها الأمر في وقت قياسي.
إيران ترد من خلف الشاشات
إيران لم تلجأ إلى الطائرات أو القنابل في هذا النوع من الصراع، بل إلى لوحة المفاتيح. تطورت قدراتها السيبرانية بشكل كبير، وبدأت تستهدف بنى تحتية في إسرائيل والولايات المتحدة، كشبكات المياه والطاقة، والتي ذُكر انها إحدى العمليات، التي هدفت الى رفع نسب الكلور في محطات معالجة المياه، في تجربه لتدمير الكيان و الأمن الداخلي عبر التلاعب في الخدمات الأساسية.
كما طالت الهجمات منصات رقمية كبرى في الداخل الإيراني نفسه. في واحدة من أكبر الضربات، تعرّضت واحدة من أهم منصات العملات الرقمية الإيرانية لاختراق أدى إلى تدمير أو سرقة نحو 90 مليون دولار من الأصول الرقمية. الهجوم تسبّب في إرباك كبير وتوقّف مؤقت في عدة خدمات مالية، وسط حالة من الصمت الرسمي.
الحرب النفسية: الصورة أخطر من القنبلة
لم تقتصر المعركة على الهجمات التقنية، بل امتدت لتشمل حربًا نفسية تعتمد على الصور والمقاطع المفبركة. تقنيات مثل Deepfake أصبحت تُستخدم بكثافة لإنتاج محتوى يبدو واقعيًا لكنه زائف تمامًا، يظهر فيه جنود ينهارون، أو قادة يهربون، أو مدن تسقط.
مثل هذه المواد تُنشر على نطاق واسع بهدف خفض الروح المعنوية للخصم، أو إثارة الذعر بين المدنيين، وغالبًا ما تكون مصحوبة بكمّ كبير من الحسابات الآلية (Bots) التي تُعيد النشر وتضخّمه بشكل مُخادع.
الاقتصاد أيضًا في مرمى النار
الخسائر لم تعد تقتصر على العتاد أو الأرواح، بل طالت الاقتصاد بشكل واضح. ففي إسرائيل، تتسبب الهجمات السيبرانية سنويًا في خسائر تُقدَّر بمليارات الدولارات. ومع تصاعد التوتر في المنطقة، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تصل تأثيرات هذا النوع من الصراع إلى الأسواق العالمية، خاصة في قطاع النفط والطاقه الغير متجددة.
والخطر الأكبر يكمن في حال توسّع المواجهة لتشمل أطرافًا إقليمية أخرى، قد تتجاوز الخسائر حدود الشرق الأوسط وتؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط والنمو الاقتصادي العالمي
آله بلا ضوابط
ورغم أن هذه التطورات تعكس تقدمًا تقنيًا هائلًا، فإنها في الوقت نفسه تثير مخاوف أخلاقية وقانونية عميقة. من المسؤول إذا ارتكبت خوارزمية قتلاً جماعيًا عن طريق الخطأ؟ وماذا لو أدّى مقطع فيديو مزيف إلى قرار عسكري مدمّر؟
حتى الآن، لا يوجد إطار قانوني دولي واضح ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. كل طرف يطوّر أدواته بسرية تامة، دون رقابة أو محاسبة. وهذا يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الحروب… لا تعرف الرحمة، ولا يضبطها بشر.
الذكاء الاصطناعي لم يعد تكنولوجيا مستقبلية… لقد أصبح السلاح الأهم في الحروب الحديثة. وبينما يتفاخر البعض بدقة الضربات وسرعة القرار، تُطرح أسئلة أعمق حول معنى الحرب عندما تُقرّرها برمجية، وتُنفّذها طائرة بلا طيار، ويقع ضحاياها من دون أن يعلم أحد من اتخذ القرار.
في هذا المشهد، يصبح الصراع الإيراني الإسرائيلي نموذجًا مبكرًا لحروب القرن الـ21… حيث لا أحد يرى القاتل، ولا أحد يسمع صوت الطلقة