درونز مسلحة في سماء بورت أو برنس: كيف استعادت حكومة هايتي السيطرة على العاصمة باستخدام الطائرات المسيّرة؟
فوضى عصابات مسلحة تسيطر على العاصمة في هايتي

وسط مشاهد الفوضى والدمار التي عمت العاصمة هايتي بورت أو برنس بفعل تمرد إجرامي مسلح بدأ مطلع عام 2024، لجأت الحكومة الانتقالية إلى وسيلة غير تقليدية لاستعادة السيطرة: الطائرات المسيّرة المسلحة.
فبعد أن فقدت الدولة سيطرتها الفعلية على معظم أجزاء العاصمة لصالح تحالفات عصابات مسلحة تسيطر على أحياء بكاملها وتدير شبكات تهريب وقتل واغتصاب جماعية، بدا أن القوة الجوية المحدودة والدقيقة قد تمثل طوق نجاة.
منذ مارس 2025، قُتل أكثر من 300 شخص وأصيب قرابة 400 في هجمات جوية بالطائرات المسيّرةبالطائرات المسيّرة.
لذلك وفقًا لتقارير منظمات حقوقية محلية، وسط إشادة من بعض السكان الذين رأوا في تلك الضربات خطوة أولى لاستعادة الأمن. لكن الجدل لم يغب عن المشهد: من يقود هذه العمليات؟ ما طبيعة الأسلحة المستخدمة في هايتي؟ وهل يمكن لهذه العمليات أن تستمر دون أن تتحول إلى سابقة خطيرة؟.
مع تقارير تشير إلى تورط شركات أمنية خاصة، وتحديدًا شخصيات مثيرة للجدل مثل مؤسس “بلاك ووتر”، وإشارات إلى عمليات تسليح سرية وتجنيد مرتزقة، تبدو هايتي اليوم. ميدان اختبار عالمي جديد لكيفية استخدام المسيّرات المسلحة في البيئات الحضرية لمكافحة الجريمة المنظمة، ولو على حساب القانون.
الضربة الأولى: الصدمة التي هزّت الأرض.
في السادسة صباحًا، دوّى انفجار عنيف في حي فقير من أحياء العاصمة، ظن السكان أنه زلزال جديد كالذي دمر مدينتهم عام 2010.
لكن مصدر الصدمة كان من السماء، حيث أسقطت طائرة مسيّرة ذخيرة على هدف يُعتقد أنه مقر لمسلحين. الحادثة شكّلت بداية حملة مكثفة غيّرت وجه المواجهة مع العصابات المسلحة.
مقاطع مصوّرة مرعبة تنتشر على الإنترنت
خلال الأسابيع التالية، بدأت مقاطع الفيديو تظهر تباعًا على منصات التواصل الاجتماعي.توثق لحظة سقوط القذائف بدقة، غالبًا على مجموعات مسلحة تتحرك في الأزقة.
الفيديوهات، التي يتخللها أحيانًا موسيقى تصويرية حماسية، أثارت جدلًا واسعًا بشأن من يقوم بنشرها ولماذا تُصور بهذا الشكل “الترويجي”.
من يقف وراء هذه المسيّرات؟ إشارات إلى قوات ظلّ.
رغم أن الحكومة لم تعلن رسميًا عن الجهة المنفذة، إلا أن تقارير صحفية دولية، أبرزها من نيويورك تايمز، أكدت تورط شركات أمنية خاصة بقيادة إريك برنس، مؤسس شركة “بلاك ووتر” في عمليات قتالية ضد العصابات.
وفي نفس السياق مصادر تحدثت عن تسليح واسع النطاق وتجهيز قوة مرتزقة مكوّنة من 150 عنصرًا، بينهم عسكريون هايتيون أمريكيون سابقون.
سلاح رخيص وفعال: طائرات مسيّرة بـ200 دولار فقط.
وفق خبراء عسكريين، فإن الطائرات المستخدمة تنتمي لفئة “الدرونز بمنظور الشخص الأول” (FPV)، وهي طائرات صغيرة تُستخدم عادة في السباقات أو التصوير.
ولكن يمكن تحميلها بمواد ناسفة محلية الصنع. تكلفة الطائرة الواحدة لا تتعدى 200 دولار، ما يجعلها فعالة ورخيصة، وسهلة التدمير دون خسائر كبيرة للمهاجمين.
أهداف متعددة: من قادة العصابات إلى سيارات التهريب
إحدى الضربات البارزة استهدفت سيارة كانت تتحرك بالقرب من مقر زعيم عصابة شهير يُدعى “إيزو”، بينما كان يشتبه باستخدام تلك المركبة في نقل أسلحة أو مخدرات.
كما تُظهر اللقطات انفجارًا مباشرًا أصاب المركبة، في سابقة تشير إلى تطور قدرات الاستهداف الدقيق لدى القوة المنفذة.
مشاهد الرعب تقابلها إشادة من السكان.
رغم الرعب الذي تسببه أصوات الانفجارات وهدير المسيّرات، فإن سكانًا كثيرين أعربوا عن ارتياحهم التدريجي لنتائج هذه العمليات.
فيوجد شاب يدعى بيلوني جاسّي أكد أن أصوات الرصاص خفت، وأنه تمكن مؤخرًا من العودة إلى منزله لأول مرة منذ شهور. حيث يقول “لم أعد خائفًا كما كنت”، .
النشطاء الحقوقيون المحليون: الضربات مبررة وضرورية
في موقف لافت، أعلنت منظمات حقوقية محلية دعمها لاستخدام المسيّرات المسلحة ضد العصابات. “الأسلحة التي تملكها العصابات متطورة ومستخدمة بشكل وحشي ضد السكان”، تقول الناشطة الحقوقية روزي أوغست دوسينا. وتضيف: “لهذا نرى أن الضربات الجوية متناسبة تمامًا”.
مخاوف من تجاوزات ديمقراطية: من يدير المعركة؟
ورغم النجاح النسبي، أبدت منظمات مدنية مخاوفها من تولي مكتب رئيس الوزراء مسؤولية قيادة العمليات الجوية بدلًا من الجهات الأمنية الرسمية. “هذا يُعد خطرًا على المسار الديمقراطي”، تقول دوسينا، محذّرة من تحويل المواجهة إلى أداة سياسية لا أمنية فقط.
قانونية الاستخدام محل تساؤل دولي
بينما تدافع الحكومة عن هذه العمليات كضرورة أمنية، يشكك خبراء دوليون في شرعيتها، مشيرين إلى أن هايتي ليست رسميًا في حالة حرب.
كما لم تُنشر أي تقارير دقيقة عن عدد الضحايا المدنيين، ما يفتح الباب أمام انتقادات محتملة في حال اتسعت دائرة الأضرار الجانبية.
سباق تسلّح مرتقب: هل ترد العصابات بمسيّرات مماثلة؟
القلق الأكبر حاليًا يتمثل في إمكانية تقليد العصابات لهذه الأساليب. فقد تم مؤخرًا اعتقال ثلاثة أشخاص في جمهورية الدومينيكان المجاورة أثناء محاولتهم شراء مسيّرات.
وفي هذا السياق، الخبراء يحذرون من تصعيد خطير إذا بدأت العصابات باستخدام نفس التكتيكات، كما حدث في المكسيك والبرازيل.