علوم وتكنولوجيا

OpenAI تشدد إجراءاتها الأمنية بعد تهديدات التجسس الأجنبي

الذكاء الاصطناعي يدخل مرحلة "الحرب الباردة التكنولوجية"

في ظل تصاعد سباق الذكاء الاصطناعي عالميًا، لم يعد التحدي الأكبر لشركات التكنولوجيا هو تطوير النماذج المتقدمة فحسب، بل حماية ما تطوره من أعين المتربصين. شركة “OpenAI”، التي تُقدر قيمتها السوقية بـ300 مليار دولار، باتت الآن في وضع أقرب إلى “التحصين العسكري” لمواجهة ما تصفه بتزايد تهديدات التجسس الأجنبي، وعلى رأسها الصين. فبعد اتهام شركة “DeepSeek” الصينية بسرقة تقنيات “OpenAI” عبر تقنيات “التقطير”، قررت الشركة اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية غير المسبوقة.

 

من “DeepSeek” إلى “التقطير”: البداية التي أشعلت القلق

في يناير الماضي، أطلقت “DeepSeek” نموذجًا منافسًا قيل إنه استند إلى أساليب غير مشروعة في نسخ تقنيات “OpenAI”، عبر عملية تُعرف باسم distillation، وهي تقنية تُستخدم لاستخلاص قدرات النموذج دون الوصول مباشرة إلى شفرته الأصلية. ورغم عدم تعليق “DeepSeek” على هذه المزاعم، إلا أن الأمر دفع “OpenAI” إلى إعادة هيكلة كاملة لسياساتها الأمنية.

عزل معلومات النماذج: من “ستروبري” إلى “الخيمة المعلوماتية”

داخل مكاتب سان فرانسيسكو، بدأت “OpenAI” سياسة تُعرف باسم “التخييم المعلوماتي”، حيث لا يمكن لأي موظف التحدث عن نموذج معين — مثل “ستروبري” (الاسم الرمزي للنموذج o1) — إلا مع زميل آخر “داخل نفس الخيمة”. هذا يعني أن الوصول للمعلومات أصبح محدودًا للغاية، ما تسبب في صعوبات لبعض الفرق، لكنه قلّص بشدة خطر تسرب الأسرار.

قيود إلكترونية وبصمات بيومترية

لضمان سرية البيانات، باتت الشركة تعتمد على بيئة عمل “منفصلة” تمامًا، حيث تُفصل أنظمة تطوير النماذج الحساسة عن الإنترنت بشكل كامل، في سياسة تُعرف بـ deny-by-default egress. كما أصبحت بعض الغرف لا تُفتح إلا ببصمات الأصابع، وتُعتمد إجراءات تحقق بيومترية للدخول إلى مراكز البيانات.

توظيف جنرالات وخبراء عسكريين لحماية الذكاء الاصطناعي

في إشارة واضحة إلى تحول “OpenAI” إلى مؤسسة ذات طابع أمني، استعانت الشركة بالجنرال الأمريكي المتقاعد بول ناكاسوني، أحد أبرز القادة السابقين في الأمن السيبراني بالجيش الأمريكي. كما عينت دان ستاكي، المسؤول السابق عن أمن المعلومات في “Palantir”، رئيسًا للأمن. ويعمل معه مات نايت، نائب رئيس منتجات الأمن، الذي يطوّر أدوات دفاعية تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها.

هواجس التجسس الصيني… ومخاوف من عنصرية مضادة

أشارت تقارير أمريكية إلى تنامي محاولات التجسس الصناعي من قبل الصين على شركات التكنولوجيا، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي. لكن هذه المخاوف تتقاطع مع انتقادات أخرى تحذر من تنامي النزعة المعادية للأجانب داخل وادي السيليكون، خصوصًا مع وجود عدد كبير من العاملين ذوي الأصول الآسيوية.

سباق على “أوزان النماذج”: الذهب الجديد للقرن 21

أكثر ما تخشاه “OpenAI” هو تسرب ما يُعرف بـ أوزان النماذج (model weights)، وهي المعادلات الدقيقة التي تحدد كيفية استجابة نموذج الذكاء الاصطناعي للمحفزات. هذه الأوزان تُعد بمثابة “الذهب الرقمي” الذي تسعى الدول والشركات إلى امتلاكه، أو على الأقل نسخ قدراته.

الذكاء الاصطناعي في قلب صراع دولي

يتداخل المشهد هنا مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين حول تقنيات متقدمة مثل الرقائق والذكاء الاصطناعي. فبينما فرضت واشنطن قيودًا على تصدير الرقائق المتقدمة إلى بكين، أصبحت حماية الخوارزميات “مسألة أمن قومي”، لا تقل حساسية عن حماية المنشآت النووية.

هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح استراتيجي؟

في ضوء هذه التحولات، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أضحى موردًا استراتيجيًا تتنافس عليه القوى العالمية، ويحظى بحماية تعادل حماية الأسرار العسكرية. وإذا كان الإنترنت هو ميدان الصراع في العقد الماضي، فإن معركة الألفية الجديدة تُخاض داخل العقول الاصطناعية.

اقرأ أيضًا:

سباق الذكاء الاصطناعي يُشعل حرب الرواتب بين عمالقة التكنولوجيا

رحمة عماد

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى