آسيا الوسطى في مرمى النيران: تصعيد إيران وإسرائيل يهدد التوازن الإقليمي
التصعيد في الشرق الأوسط يربك حسابات جمهوريات آسيا الوسطى ويهدد استقلالها الدبلوماسي

مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، تجد دول آسيا الوسطى نفسها أمام اختبار قاسٍ لاستراتيجيتها الدبلوماسية التي طالما اتسمت بالتوازن والحذر. فالمنطقة التي تتألف من خمس جمهوريات هي: أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وتركمانستان، كانت تسعى بهدوء نحو تعزيز استقلالها الجيوسياسي من خلال سياسة “تعدد الاتجاهات” في علاقاتها الخارجية. لكن الأزمة الإقليمية في الشرق الأوسط – خاصةً بعد ضربات يونيو بين إسرائيل وإيران – كشفت هشاشة هذا المسار وأظهرت حجم التحديات التي تواجهها آسيا الوسطى في سعيها لحجز موقع مستقل وسط لعبة الأمم الكبرى.
إيران كممر اقتصادي حيوي.. تحت الخطر
رغم الحياد الرسمي الذي تتبناه دول آسيا الوسطى تجاه الصراعات الإقليمية، إلا أن هذه الدول ليست بمنأى عن تداعيات التصعيد بين طهران وتل أبيب. فإيران تشكّل عقدة مركزية في منظومة النقل الإقليمي، وتمر عبرها ممرات حيوية مثل “ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي”، الذي يربط دول آسيا الوسطى بالخليج وتركيا عبر أقصر الطرق. ومع بقاء الممرات الروسية تحت العقوبات وتباطؤ التمويل الصيني، بات هذا الخط أكثر أهمية – لكنه في الوقت ذاته أكثر هشاشة.
شركاء جدد.. لكن بشروط أمريكية
شهدت السنوات الأخيرة اندفاعًا خليجيًا نحو آسيا الوسطى، مع وعود سعودية وإماراتية وقطرية باستثمارات ضخمة في الطاقة والبنية التحتية والزراعة. غير أن معظم هذه الاستثمارات تفترض عبور البضائع عبر الأراضي الإيرانية – وهو ما أصبح محفوفًا بالمخاطر في ظل التوتر العسكري. ورغم الطموح، لا يمكن لدول الخليج، المرتبطة بتحالفات أمنية مع واشنطن، أن تغامر بالمرور عبر طهران. وهكذا تُغلق نافذة واعدة أمام دول آسيا الوسطى من دون أن يكون لها بديل جاهز.
ممرات بديلة… لكن محفوفة بالعقبات
مشاريع بديلة مثل الممر العابر لأفغانستان أو “طريق التنمية” العراقي تبدو واعدة على الورق، لكنها تواجه تحديات ضخمة. فالمسار الأفغاني يعاني من هشاشة أمنية مزمنة، فيما يواجه الطريق العراقي عوائق لوجستية وجيوسياسية معقدة. وهكذا، تبقى إيران الخيار الأكثر واقعية – وإن كان أيضًا الأكثر إثارة للقلق.
تحالفات ضاغطة واصطفافات محتملة
إيران ليست فقط بوابة تجارية، بل أيضًا شريك استراتيجي لكل من روسيا والصين. ومع تصاعد التنسيق العسكري بين موسكو وطهران، واعتماد بكين على إيران ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، يتزايد الضغط على دول آسيا الوسطى للانخراط في محور موسكو-بكين بشكل أوضح. منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم أربع دول من آسيا الوسطى، باتت تعاني من انقسامات داخلية واختلال في التوازن بين أعضائها، خاصة في ظل صمتها إزاء حرب غزة وتصاعد الخلافات بين الهند وباكستان حول إيران.
الرأي العام الداخلي: البوصلة التي لا تُهمل
في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في آسيا الوسطى، بدأت تظهر مشاعر تعاطف ملموسة مع إيران، خاصةً مع تزايد العنف في غزة. وفي استطلاع إقليمي، أعربت نسبة كبيرة من سكان كازاخستان وطاجيكستان عن تأييدهم للتقارب مع طهران، فيما أبدى الأوزبكيون تحفظًا أكبر. هذا الرأي العام، وإن لم يتحول بعد إلى ضغط سياسي مباشر، إلا أنه يشكّل عنصرًا حساسًا في معادلة الداخل والخارج، وقد يُقيّد مناورات الحكومات أمام الغرب.
المعركة ليست معركتهم… لكنهم قد يدفعون الثمن
لم تبدأ الأزمة بين إسرائيل وإيران في آسيا الوسطى، ولكن تداعياتها تقترب بسرعة من حدودها السياسية والاقتصادية. وفي ظل ضغوط متزايدة على ممرات التجارة، وتضارب في المصالح الدولية، وتنامي التوترات الشعبية، تجد دول آسيا الوسطى نفسها أمام مفترق طرق: إما ترسيخ استقلالها الجيوسياسي عبر تعزيز التعاون الإقليمي وفتح بدائل واقعية، أو الانجراف نحو أحد المحاور الكبرى بما يحمل ذلك من مخاطر وفقدان للهامش الدبلوماسي.