هل يمكن للطائرات الاعتراضية أن توقف القصف الروسي بالطائرات المسيّرة؟
هجمات الدرون المتزايدة ترهق الدفاعات الجوية الأوكرانية

فيما يواصل الهجوم البري الروسي في شرق أوكرانيا تقدّمه البطيء، تُعدّ موجة الهجمات الجوية بالطائرات المسيّرة على المدن الأوكرانية الخطر الأكبر حاليًا. هذه الهجمات اليومية التي تستهدف البنية التحتية المدنية والعسكرية، وحتى منازل السكان، تضعف الاقتصاد الوطني وتُنهك الروح المعنوية. ففي 9 يوليو فقط، أطلقت روسيا أكثر من 700 طائرة مسيّرة، 60% منها كانت تحمل رؤوسًا حربية، والبقية مجرد طُعم رخيص لتضليل الدفاعات.
طفرة في الإنتاج الروسي وتقنيات الهجوم
روسيا طوّرت كمية ونوعية طائراتها المسيّرة. فمنذ الصيف الماضي، زادت إنتاج “جيران-2” – النسخة الروسية من “شاهد” الإيرانية – خمسة أضعاف شهريًا، بفضل مكونات صينية مزدوجة الاستخدام. في مايو، خرج من مصانعها نحو 2,700 طائرة “جيران” و2,500 من نوع “جيربيرا”، طائرة خداعية أصغر حجمًا. وحتى بعد تعرّض تلك المصانع لهجمات أوكرانية، لم تتوقف خطوط الإنتاج، بل يُتوقع زيادتها قريبًا.
والأخطر أن روسيا بدأت باستخدام نسخ مطوّرة من “جيران-2” منذ يونيو، مزوّدة بتقنيات توجيه بصري، وذكاء اصطناعي، وأنظمة إلكترونية مقاومة للتشويش. هذه النسخ يمكنها التحليق على ارتفاعات تصل إلى 4,000 متر، والانقضاض بسرعة تصل إلى 400 كم/س، وتحمل رؤوسًا حربية تصل إلى 90 كغم. كما دخلت الخدمة نسخة “جيران-3” التي تبلغ سرعتها 600 كم/س، ولكنها مكلفة (1.4 مليون دولار مقابل 200 ألف للنسخة السابقة).
الدفاعات التقليدية تنهك أمام سيل الدرون
المعضلة الأوكرانية تتجلى في التكاليف: فإسقاط طائرة مسيّرة تكلفتها 200 ألف دولار بصاروخ تتجاوز قيمته مليون دولار ليس حلًا مستدامًا. حتى الدفاعات التقليدية مثل المدفعية المحمولة وأنظمة التشويش، كانت فعّالة حتى وقت قريب، لكنها الآن تتراجع أمام موجات “جيران” عالية الطيران وبمسارات يصعب التنبؤ بها.

الأمل في “الاعتراض الرخيص”
هنا يبرز دور الطائرات الاعتراضية المسيّرة الرخيصة. على الأقل أربع شركات أوكرانية، من بينها “بيسومار” و”وايلد هورنتس”، تطوّر نماذج خاصة، بالإضافة إلى شركات أوروبية مثل “تيتان” الألمانية و”فرانكنبيرغ” الإستونية. يقول الجنرال أولكسندر سيرسكي إن نسبة النجاح وصلت إلى 70%. وقد أمر الرئيس زيلينسكي بتوقيع عقود عاجلة لتوسيع الإنتاج إلى 1,000 طائرة يوميًا، مع حاجة تمويلية فورية بقيمة 6 مليارات دولار.
مواصفات الاعتراض المطلوب
وفقًا لخبير الطائرات المسيّرة تارس تيموشكو، لا ينبغي أن يتجاوز سعر الطائرة الاعتراضية 5,000 دولار. ويجب أن تبلغ سرعتها 300 كم/س، مع قدرة على التحليق حتى ارتفاع 5,000 متر. ويشترط أن تكون من النوع الجناحي (وليس رباعية المراوح)، وأن تصطدم بالهدف مباشرة وتنفجر.
لكن التحديات لا تزال قائمة: من الضروري دمج الطائرات الاعتراضية مع شبكات الرادار الحالية، وتطوير ذكاء اصطناعي يجعلها مقاومة للتشويش وأكثر استقلالية في اتخاذ القرار. ويتوقّع خبراء مثل ماكس إندرز من “تيتان تكنولوجيز” أن يدخل الطرفان سباق تطوير سريع كل 15-20 يومًا، يشمل تحديثات برمجية مستمرة.
اقرأ أيضاً دعوات متزايدة داخل إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة: “الانتقام ليس سياسة”
الدفاع الطبقي ضرورة لا بديل عنها
لا تزال أنظمة الدفاع قصيرة المدى ضرورة، مثل “سكاي سينتينيل” الأوكراني (برج آلي مزوّد بمدفع ثقيل) و”سكاي نيكس” الألماني المصمم للتعامل مع هجمات جماعية. لكن كلا النظامين لم يُنشر على نطاق واسع بعد. وتُطوّر أوكرانيا أيضًا نظام “تريزوب” بالليزر، القادر نظريًا على تدمير أهداف جوية على ارتفاع 3,000 متر.
خلاصة
الطائرات الاعتراضية تمثل حاليًا أفضل أمل لأوكرانيا لمواجهة سيل “جيران”، لكنها ليست حلًا سحريًا. ومع استمرار روسيا في تطوير طائراتها وتحسين تكتيكاتها، فإن معركة السماء ستظل مفتوحة، وفيها ستكون السرعة، والابتكار، والتكلفة، حاسمة أكثر من أي وقت مضى.