ترامب في تكساس: مأساة الفيضانات تختبر وعودة بتفكيك وكاله فيما
"مستقبل وكالة 'فيما' يبقى غامضًا وسط تصريحات متناقضة من الإدارة الأمريكية"

وسط كارثة طبيعية أودت بحياة ما لا يقل عن 120 شخصًا، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تكساس لمعاينة الأضرار الناجمة عن الفيضانات، في وقت يلوذ فيه بالصمت إزاء وعوده السابقة بإلغاء وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (فيما)، التي تقف الآن في قلب جهود الإغاثة.
من شعارات تقليص الحكومة إلى لحظات “التعاطف الوطني”
طوال الأشهر الأولى من ولايته الجديدة، جعل ترامب من تقليص الجهاز الحكومي، بما في ذلك وكالة “فيما”، أحد أعمدة مشروعه السياسي، مستعينًا بحلفاء مثل إيلون ماسك للدفع نحو حكومة “أصغر وأكفأ”. لكن كارثة الرابع من يوليو، التي لا تزال السلطات تبحث فيها عن أكثر من 170 مفقودًا، أحرجت هذا التوجه، وأجبرت الإدارة على إعادة النظر — أو على الأقل، تأجيل المواجهة مع البنية الفيدرالية للإغاثة.
“لم ير أحد شيئًا كهذا من قبل”، قال ترامب في مقابلة مع NBC، واصفًا الفيضانات بأنها “حدث يحدث مرة كل 200 عام”. لكنه تجنّب تمامًا التطرق لمصير “فيما”، في تناقض صارخ مع تصريحاته السابقة التي توعّد فيها بإنهاء عمل الوكالة أو تقليصه جذريًا.
وفد حكومي كبير ومواقف رمادية
سافر ترامب إلى تكساس برفقة زوجته ميلانيا، وعدد من الوزراء والمسؤولين من بينهم سكرتيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، ووزير الزراعة، ووزيرة المشروعات الصغيرة، والسيناتوران الجمهوريان جون كورنين وتيد كروز. ومن المقرر أن يقوم بجولة جوية في المناطق المتضررة، إضافة إلى زيارة مركز عمليات الطوارئ ولقاء أسر الضحايا.
في كلمته خلال اجتماع وزاري لاحق، أثنى ترامب على سرعة استجابة فرق الإغاثة، مشيرًا إلى أن “الناس كانوا هناك بأسرع مما رأينا من قبل”. أما نويم، فرَوَت مشاهد مفجعة من مخيم “كامب ميستيك” حيث قُتلت 27 فتاة على الأقل، وأكدت أن “الحضور والعناق والمواساة أمور جوهرية في لحظات كهذه”.
تصريحات “نويم”: إصلاح “فيما” بدلًا من إلغائها؟
رغم مشاعر التعاطف التي عبّرت عنها نويم، فإنها أيضًا تترأس لجنة إصلاح وكالة “فيما”، التي بدأت النظر في سبل تقليص صلاحيات الوكالة وتحويل مسؤولياتها إلى الولايات. “نحن لا ندير الكوارث على المستوى الفيدرالي، بل الولايات هي من تفعل ذلك”، قالت نويم، قبل أن تضيف: “نحن نقوم بتبسيط العمل، تمامًا كما تتصوره أنت يا سيادة الرئيس”.
هذا التصريح يسلط الضوء على التوجه الجديد داخل الإدارة: عدم إعلان إلغاء الوكالة مباشرة، بل سلوك طريق “التفكيك الناعم” من خلال تقليص دورها وتحميل العبء للمستويات المحلية.
صمت في البيت الأبيض ومراوغة رسمية
وعند سؤالها عن مستقبل الوكالة، امتنعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، عن إعطاء إجابة واضحة. قالت: “الرئيس يريد التأكد من حصول المواطنين على ما يحتاجونه في أوقات الأزمات، سواء جاء ذلك من الولايات أو الحكومة الفيدرالية”.
أما راسل فويت، مدير مكتب الموازنة، فاكتفى بالتأكيد أن الوكالة تملك مليارات الدولارات لتمويل احتياجاتها الحالية، متعهدًا بأن “تكساس ستحصل على كل ما تحتاجه”. لكنه عاد وشدّد على نية الرئيس “مواصلة طرح الأسئلة الصعبة على كل الوكالات، بما في ذلك فيمـا”.
سياسة الانقضاض بعد الكوارث
ترامب ليس غريبًا عن استغلال الكوارث الطبيعية سياسيًا. فخلال حملته الانتخابية السابقة، اتهم إدارة بايدن بحرمان المناطق ذات الأغلبية الجمهورية من مساعدات الإغاثة بعد إعصار “هيلين”. كما استخدم زيارته إلى كاليفورنيا بعد حرائق الغابات لتوجيه اتهامات للحكومة المحلية بالتقصير والفشل.
لكن في الفيضانات الحالية، يبدو أن ترامب اختار الهدوء النسبي، على الأقل مؤقتًا، ربما إدراكًا لحساسية الموقف، أو تجنبًا للظهور بمظهر من يستغل المعاناة لتحقيق مكاسب حزبية.
مأزق ترامب: واقع الكوارث يصطدم بشعارات تقليص الدولة
تطرح الأزمة الراهنة سؤالًا محوريًا: كيف يمكن لإدارة تتبنى فكريًا “تفكيك الدولة العميقة” أن تتعامل مع واقع يفرض دورًا محوريًا للحكومة الفيدرالية في إنقاذ الأرواح؟ خصوصًا أن من أكثر المتضررين هم من القواعد الانتخابية لترامب نفسه في الولايات الجنوبية.
وبينما تشير تقارير واشنطن بوست إلى أن خطط إلغاء “فيما” قد تم تعليقها، لا تزال المخاوف قائمة من توجهات مستقبلية لإفراغ الوكالة من مضمونها.
المشهد المقبل: إصلاح أم تصفية؟
سواء قررت الإدارة “إصلاح” الوكالة أم “تفكيكها بهدوء”، فإن كارثة تكساس أظهرت أن وجود هيئة فيدرالية فعالة في الاستجابة للكوارث ليس مجرد ترف بيروقراطي، بل ضرورة وطنية. لكن في البيت الأبيض، يبقى مصير “فيما” رهينًا بمزيج من الحسابات السياسية، وضغط القواعد، وحجم الكوارث القادمة.