عربي وعالمي

امريكا أولا… ولكن في نصف الكرة الغربي: هل يعيد ترامب صياغة عقيدة مونرو لمواجهة الصين والكارتلات في أمريكا اللاتينية ؟

"أمريكا أولًا في نصف الكرة الغربي: استراتيجية ترامب الجديدة لمواجهة الصين والكارتلات"

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تبرز أصوات في واشنطن تدعو إلى إعادة تموضع استراتيجية أمريكية تركز على “الفناء الخلفي” للولايات المتحدة: نصف الكرة الغربي. في مقال تحليلي نشره الباحث سكوت وينتون، يُقترح إحياء نسخة جديدة من عقيدة مونرو، تقوم على “أمريكا أولًا” من الداخل، وعلى تحصين النفوذ الأمريكي اقتصاديًا وأمنيًا من ألاسكا حتى الأرجنتين في الخارج. الفكرة بسيطة لكنها عميقة عوضًا عن الانخراط في صراعات بعيدة وفاشلة، لماذا لا تركز واشنطن على صدّ تمدد الصين واحتواء الكارتلات والمهاجرين غير الشرعيين على حدودها؟ لكن هذا الطرح، رغم وجاهته في السياق الانتخابي الأمريكي، يطرح أسئلة حول طبيعة الهيمنة الإقليمية وحدودها في عالم متعدد الأقطاب.

 

من الشرق الأوسط إلى نصف الكرة الغربي

يرى وينتون أن السياسة الخارجية الأمريكية تشهد تحولًا من الالتزامات العالمية إلى التركيز الإقليمي. فالفشل في تحقيق نتائج ملموسة من التدخلات في العراق وأفغانستان، وتصاعد الشكوك حول العولمة بين الناخبين من الطبقة العاملة، كل ذلك يدفع الإدارة الأمريكية نحو إعادة ترتيب الأولويات: من آسيا والشرق الأوسط إلى الأمريكيتين. وهذا التوجه يعكس استجابة داخلية لحاجات المواطن أكثر من كونه نابعًا من اعتبارات الجيوبوليتيك وحدها.

 

الصين تتسلل إلى الجوار الأمريكي

الكاتب يدق ناقوس الخطر بشأن تغلغل النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية والكاريبي، سواء عبر البنية التحتية أو التكنولوجيات أو السيطرة على المعادن الاستراتيجية. ويُحذر من أن هذا التمدد الصيني لا يهدد فقط النفوذ الأمريكي التقليدي، بل يعرض الأمن القومي للخطر عبر شبكات التوريد والدخول إلى ممرات بحرية حيوية، من بينها طريق الحرير القطبي. ومع انشغال واشنطن بـ”الحرب على الإرهاب”، ملأت بكين الفراغ ببطء وفاعلية.

 

الكارتلات والمهاجرون غير الشرعيين

يتعامل المقال أيضًا مع قضايا الداخل من خلال بوابة الخارج، إذ يرى أن تدفق المهاجرين غير النظاميين وانتشار المخدرات ينبعان من ضعف السيطرة على الحدود الجنوبية. الكارتلات المكسيكية لم تعد مجرد شبكات تهريب بل باتت “ميليشيات عابرة للحدود”، تهدد المجتمعات الأمريكية الصغيرة، وتستهلك موارد حكومية محلية، وتُضعف الشعور بالسيادة لدى المواطن الأمريكي. ومع أكثر من 80 ألف وفاة سنويًا جراء الجرعات الزائدة، تبدو الحرب على المخدرات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

 

شراكة جديدة مع المكسيك… بالقوة الناعمة والخشنة

يقترح الكاتب بناء تحالف أمني جديد مع المكسيك، يشمل تبادل المعلومات، الدعم التقني، وربما تدخلًا عسكريًا محدودًا عبر طائرات بدون طيار وعمليات خاصة تستهدف مراكز تصنيع الفنتانيل. الهدف ليس فقط محاربة الكارتلات بل “استعادة سيادة المكسيك” بمساعدة أمريكية. وهنا يبرز النموذج الذي تتبناه إدارة ترامب: الردع بالقوة والاقتصاد معًا، دون الغرق في مستنقعات تدخل عسكري مباشر.

 

عزل الأنظمة المارقة في الجوار

يمتد الطرح ليشمل دولًا مثل فنزويلا، التي يعتبرها المقال “نموذجًا للدولة النرجسية الخارجة عن القانون”، تهدد الاستقرار الإقليمي وتدفع ملايين اللاجئين نحو دول الجوار. ويقترح الكاتب عزل هذه الأنظمة دبلوماسيًا واقتصاديًا، وحرمانها من الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، واستخدام التكنولوجيا الأمنية لتعطيل بنيتها القمعية، في سياسة تشبه “الضغط الأقصى” ضد إيران، ولكن ضمن أمريكا اللاتينية.

 

من المساعدات إلى التصنيع المتبادل

في الشق الاقتصادي، يطرح المقال رؤية تقوم على إعادة بناء سلاسل التوريد داخل النصف الغربي للكرة الأرضية، عبر شراكات تجارية واستثمارية مع دول مثل الأرجنتين وباراغواي. الهدف هو فك الاعتماد على الصين، وتنشيط التصنيع المحلي في ولايات أمريكا المنسية، من خلال قنوات تبادل عادلة تُفيد الطرفين. بهذا المعنى، تصبح التجارة أداة أمن قومي بامتياز.

 

بديل عملي لـ “مبادرة الحزام والطريق”

تسعى هذه الاستراتيجية إلى تقديم بديل أمريكي عملي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية في الكاريبي وأمريكا الوسطى، من خلال اتفاقات تجارة حرة، وضخ استثمارات في البنى التحتية، وتسهيل دخول الشركات الأمريكية إلى الأسواق الإقليمية، بشرط احترام معايير العمل والبيئة والسلامة. إنها نسخة معدّلة من العولمة، تعيد التموضع في الإقليم وتقلص الاعتماد على آسيا.

 

أمريكا أولًا… من ديترويت إلى بوينس آيرس

في الختام، يُبرز المقال صورة رمزية قوية: طائرة مسيّرة أمريكية، مصنوعة في مصانع ولاية أوهايو، وموجهة من قاعدة في تكساس، تدمر مصنع فنتانيل في المكسيك. هذه الصورة تجسد الفكرة الجوهرية: تسخير الصناعة، والتكنولوجيا، والتحالفات القريبة، لمصلحة المواطن الأمريكي، دون التورط في مغامرات خارجية عبثية. إنها عودة إلى الجذور، ولكن بلغة الجغرافيا، لا فقط الأيديولوجيا.

اقرأ أيضاً:

اليابان وكوريا الجنوبية تتمسكان بالتفاوض بعد قرار ترامب تأجيل الرسوم:هامش ضيق وفرص محدوده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى