سوبرمان «الواعي» ليس بدعة جديدة منذ ظهوره في الثلاثينيات، كان بطل الأبطال رمزًا للاحتجاج لا للأمركة السطحية
قصص الأبطال الخارقين حكايات للتسلية فقط أم منصة للتوغل السياسي؟

أثار إعلان المخرج جيمس غَن أن سوبرمان في نسخته الجديدة “مهاجر جاء من مكان آخر وساهم في بناء البلاد”، حفيظة البعض، وعلى رأسهم الممثل دين كين، الذي أدّى شخصية الرجل الفولاذي في مسلسل التسعينيات “لويس وكلارك”. كين تساءل بازدراء: “إلى أي مدى ستجعل هوليوود سوبرمان مستيقظًا (woke)؟”
لكن من يقرأ تاريخ سوبرمان جيدًا يعرف أن “الوعي الاجتماعي” لم يكن يوماً طارئاً على هذه الشخصية، بل في صميم جوهرها منذ نشأتها في ثلاثينيات القرن الماضي.
بطل الفقراء ومناهض النازيين
ظهر سوبرمان عام 1938، على يد مراهقين يهوديين من كليفلاند، جيري سيغل وجو شوستر، في أجواء الكساد الكبير. لم يكن آنذاك مجرد رجل خارق، بل رمزًا للعدالة الاجتماعية ومناهضًا للسلطة الجائرة. كان يحارب النازيين، ويُسقط الساسة الفاسدين، ويواجه مضاربي العقارات. ومنذ بدايته، كان تجسيدًا لحلم المهاجر الذي يُدمج، ويُحترم، ويملك من القوة ما يكفي لردع الظلم.
أبطال خارقون في مواجهة الكراهية
لم يكن سوبرمان وحده في هذا المسار. “كابتن أمريكا”، مثلاً، ظهر في غلاف أول أعداد مجلته عام 1941 وهو يلكم هتلر قبل أن تدخل أمريكا الحرب. وفي 1946، خصصت إذاعة سوبرمان قصة مكونة من 16 حلقة تحت عنوان “عصبة الشعلة النارية” لمواجهة منظمة تمثّل كو كلوكس كلان، بمساعدة حقيقية من ناشط اخترق المنظمة العنصرية وكشف أسرارها.
هذه أمثلة مبكرة على استخدام ثقافة الأبطال الخارقين كمنصة سياسية جريئة – لا كحكايات تسلية فقط.
السينما والسياسة… من واترغيت إلى الهوية
حتى عندما انتقل سوبرمان إلى الشاشة الكبيرة في عام 1978، كان ظهوره مرتبطًا بحاجة أمريكية لبطل نقي في أعقاب فضيحة ووترغيت. لاحقًا، في أوائل الألفينات، جاءت أفلام “إكس-من” كمجاز صريح لحقوق الأقليات والمثليين، حيث تمحورت حول الاضطهاد، والتحول، والهوية في قالب خيالي مشحون بالمعاني.
آيرون مان: لحظة وعي في عالم صناعات الموت
حين أطلق عالم مارفل السينمائي في 2008 بفيلم Iron Man، لم يكن بطل الفيلم مجرد مصنّع أسلحة تائب، بل رمزًا لتحوّل أخلاقي. اعترافه بأن تمويل أمراء الحرب كارثة أخلاقية، أصبح حجر الأساس لمشروع سينمائي امتد لعشرين فيلمًا… جميعها، بطريقة أو بأخرى، تناقش أسئلة حول السلطة، المسؤولية، والضمير.
البطل اليميني… حين يتحول إلى كابوس
نعم، وُجدت محاولات لتصوير أبطال يمينيين، لكن أغلبها انتهى إلى شخصيات مرعبة: “ذا كوميديان” من Watchmen كان آلة قتل قومية بلا ضمير. و”هوملاندر” في مسلسل The Boys جسّد الفاشية المغلفة بالعلم الأمريكي. أما “بيس ميكر” للمخرج جيمس غَن نفسه، فكان تجسيدًا لفشل شعار “السلام بالقوة”.
سوبرمان المحافظ؟ إنه لا وجود له
ما يريده البعض – كما يشير التقرير – هو نسخة من سوبرمان بلا أسئلة ولا تعقيدات: بلا تأملات في العدالة، أو شكوك في السلطة، أو تعاطف مع المختلفين. بعبارة أخرى: مجرد صورة خالية من الروح، بنظرات ليزرية وتسريحة مثالية… لكنها بلا وعي ولا هدف.
وهنا يكمن السؤال الأهم: إذا لم يكن البطل الخارق حليفًا للمظلومين، وخصمًا للسلطة الغاشمة، ومرآةً للأمل والمحاسبة… فما فائدته أصلاً؟