علوم وتكنولوجيا

رغم الضغوط الأمريكية.. الاتحاد الأوروبي يمضي قدمًا في تنظيم الذكاء الاصطناعي

الاتحاد الأوروبي يتحدى الهيمنة الأمريكية ويتولى تحديد معايير الذكاء الاصطناعي

في خطوة تُعد سابقة عالمية، أعلن الاتحاد الأوروبي رسميًا إصدار مدونة السلوك الخاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعي العامة، متجاهلًا الضغوط المتصاعدة من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومة الأمريكية. تأتي المدونة الجديدة كجزء من أوسع حزمة تنظيمية عرفها العالم حتى الآن لضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل نماذج قوية مثل GPT-4 من OpenAI وGemini من Google.

خطوة شجاعة في وجه لوبيات التكنولوجيا

المدونة، التي تأخّر إصدارها عن موعدها الأصلي في مايو الماضي، تعرضت لحملة ضغط كثيفة من الولايات المتحدة وشركات التكنولوجيا العملاقة — بينها مجموعات أعضاء في اتحاد Computer & Communications Industry Association — الذين اعتبروا أن القواعد الجديدة تشكل عبئًا غير متناسب على مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي، وقد تعرقل قدرة أوروبا التنافسية عالميًا.

مع ذلك، أكدت هينا فيركونين، رئيسة التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، أن المدونة تهدف إلى جعل النماذج المتقدمة “ليست فقط مبتكرة، بل آمنة وشفافة أيضًا”.

أبرز بنود مدونة السلوك

حماية حقوق الملكية الفكرية: يجب على الشركات الموقعة اتخاذ تدابير تقنية تمنع نماذجها من توليد محتوى منسوخ أو ينتهك حقوق النشر.

اختبارات تقييم المخاطر: يُطلب من مطوري النماذج اختبارها بحثًا عن المخاطر المنصوص عليها في قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي.

المراقبة بعد الإطلاق: تلتزم الشركات الكبرى بإتاحة نماذجها الأكثر تقدمًا للمراجعة الخارجية، والسماح بتقييمات مستقلة.

مرونة نسبية: تمنح المدونة للمطورين مساحة تقديرية في تحديد المخاطر، ما يمنحها جانبًا من الواقعية مقابل الصرامة القانونية.

مخاوف داخلية وضغوط من الخارج

لم تقتصر الانتقادات على الخارج؛ فقد تعرضت المفوضية الأوروبية لانتقادات من داخل البرلمان الأوروبي ومن منظمات مدنية وحقوقية، خاصة بعد التعديلات التي “ليّنت” بعض بنود المدونة استجابةً لضغوط أمريكية.

على الجانب الآخر، حذّر رؤساء شركات أوروبية كبرى — من بينهم إيرباص وBNP Paribas وMistral — من أن القواعد غير الواضحة والمتداخلة قد تؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية لأوروبا في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، وطالبوا بتجميد تنفيذ بعض البنود لعامين.

ما الذي سيحدث الآن؟

المدونة لا تزال اختيارية: الشركات ليست ملزمة قانونيًا بالتوقيع عليها، لكنها تواجه ضغطًا معنويًا من الاتحاد.

ينتظر التصديق الرسمي: يجب أن تعتمدها المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء قبل أن تصبح سارية.

قانون الذكاء الاصطناعي الأساسي ما زال في الطريق: رغم دخوله حيّز التنفيذ العام الماضي، فإن معظم بنوده لن تُطبق فعليًا قبل سنوات، في حين تدخل بعض القواعد الخاصة بالأنظمة عالية الخطورة (مثل التعرف على الوجوه) حيز التنفيذ في أغسطس 2026.

أوروبا بين الريادة والتنفير

بينما تسعى بروكسل لأن تكون المنظّم الأول عالميًا للذكاء الاصطناعي، تواجه معضلة دقيقة: كيف تحمي القيم الأوروبية من دون أن تنفّر الابتكار؟ فالرقابة الصارمة قد تدفع المطورين نحو أسواق أقل تقييدًا، بينما التراخي قد يكلف المجتمعات مخاطر جسيمة على الخصوصية، وحقوق المؤلف، وحتى الديمقراطية.

الخلاصة: ساحة المعركة انتقلت من السيليكون فالي إلى بروكسل

في ظل غياب إطار قانوني صارم من قبل الولايات المتحدة أو الصين، بات الاتحاد الأوروبي هو الساحة الرئيسية لتحديد معايير الذكاء الاصطناعي في المستقبل. وقد تكون مدونة السلوك الجديدة الخطوة الأولى نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب في الرقابة الرقمية — نظام يتحدى الهيمنة الأمريكية ويعيد تعريف مفهوم “الابتكار المسؤول”.

اقرأ أيضًا:

OpenAI تشدد إجراءاتها الأمنية بعد تهديدات التجسس الأجنبي

رحمة عماد

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى