ترامب يوسع دائرة الرسوم الجمركية: ضربة تجارية عالمية تعيد تشكيل ميزان القوى

مع دخول القرارات الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حيز التنفيذ مع أولى دقائق يوم الخميس بتوقيت واشنطن، باتت عشرات الدول تواجه زيادات حادة في الضرائب المفروضة على صادراتها إلى الولايات المتحدة. القرارات التي جاءت تحت مسمى “الرسوم التبادلية” تهدف، بحسب البيت الأبيض، إلى تحقيق “العدالة التجارية”، غير أن تداعياتها تتجاوز الأرقام والنسب إلى صلب النظام التجاري العالمي نفسه. ترامب، الذي وصف يوم 2 أبريل بأنه “يوم التحرير”، يؤكد أن هذه الإجراءات ستجلب المليارات إلى خزائن الدولة، بينما تتخوف الحكومات من موجات صدمة قد تطال الاستثمارات والوظائف وسلاسل الإمداد.
معايير مختلفة لدول مختلفة: حسابات سياسية وتجارية معقدة
الرئيس الأميركي لم يطبق رسوماً موحدة، بل اختار نسبًا متفاوتة ترتبط بالخلفيات السياسية والاقتصادية لكل بلد. ففي حين تواجه سوريا رسومًا تصل إلى 41%، فرضت على المملكة المتحدة نسبة 10% فقط، رغم العلاقات التجارية المتوترة. البرازيل تلقت ضربة مضاعفة بفرض نسبة 10% كرسوم تبادلية تضاف إليها 40% بموجب أمر تنفيذي عقابي يتعلق بقضية محلية تخص الرئيس السابق جايير بولسونارو. الهند من جانبها، تواجه خطر تصاعد النسبة إلى 50% بسبب شرائها النفط من روسيا، ما يعكس تحول الرسوم من أداة اقتصادية إلى سلاح جيوسياسي ضاغط.
أوروبا: بين الاستسلام والغضب السياسي
الاتحاد الأوروبي، الذي سبق أن توصّل إلى اتفاق مع واشنطن يحدد الرسوم بنسبة 15%، لم يسلم من الانتقادات الداخلية. سياسيون بارزون في فرنسا وألمانيا وصفوا الاتفاق بالخضوع والخنوع للضغوط الأميركية، فيما دافع مسؤولو المفوضية الأوروبية عن النهج باعتباره “واقعية استراتيجية” تهدف إلى تفادي حرب تجارية شاملة. المفارقة أن بروكسل اعتبرت نفسها محظوظة مقارنة بالمملكة المتحدة، التي وإن حصلت على نسبة 10%، إلا أنها تواجه رسومًا تكميلية مرتفعة على سلع معينة مثل الأجبان. في النهاية، يشير محللون إلى أن الاتفاق الأوروبي الأميركي يظل “الأقل سوءًا” في ظل ميزان قوى غير متكافئ.
سباق دبلوماسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
منذ إعلان ترامب قراراته، شرعت الحكومات في سباق محموم لتفادي الأثر المباشر على اقتصاداتها. رئيسة سويسرا، كارين كيلر-سوتر، زارت واشنطن على عجل لمحاولة إلغاء الرسوم التي بلغت 39%، بينما عقدت الحكومة السويسرية اجتماعًا استثنائيًا فور عودة وفدها. في آسيا، دخلت دول مثل تايلاند، الفلبين، كوريا الجنوبية، وفيتنام في مفاوضات مكثفة لتقليص الضرر. الهند باتت تحت التهديد المباشر، فيما حصلت المكسيك على مهلة 90 يومًا لتجنّب زيادة جديدة. أما الصين، فتمضي في مفاوضات شاقة قبل حلول الموعد النهائي في 12 أغسطس، في ظل خطر فرض نسبة 30% عليها.
رسوم التكنولوجيا: رقمنة العقوبات التجارية
في تحرك جديد يحمل بُعدًا استراتيجيًا بالغًا، لوّح ترامب بفرض رسوم تصل إلى 100% على واردات رقائق أشباه الموصلات من الدول التي لا تصنّعها في الولايات المتحدة أو لا تنوي بناء مصانع هناك. هذه الخطوة، إن تم تنفيذها، قد تعيد رسم خارطة صناعة التكنولوجيا العالمية، وتفتح فصلاً جديدًا في الحرب التجارية التي تستهدف سلاسل الإمداد التقنية تحديدًا. التحذير الأميركي يُقرأ أيضًا على أنه رسالة صارمة لحلفاء وشركاء واشنطن مفادها أن الولاء الجيوسياسي وحده لا يكفي، بل يجب أن يرافقه استثمار مباشر في الأراضي الأميركية.
مشهد دولي يتجه نحو تفكك تجاري متسارع
الموجة الجديدة من الرسوم الجمركية تضع النظام التجاري العالمي أمام اختبار غير مسبوق. مع اتساع الرقعة الجغرافية للدول المتضررة، من آسيا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية، تتزايد المخاوف من أن تتحول الرسوم التبادلية إلى نمط دائم يكرس سياسة “أمريكا أولاً” على حساب قواعد العولمة. الأسواق الدولية، بدورها، باتت أكثر هشاشة، في ظل غياب آليات دولية فاعلة للرد أو الاحتواء، وتراجع دور منظمة التجارة العالمية كمرجعية للعدالة التجارية.
اقرأ أيضاً:
ترامب يعلن الحرب على علوم المناخ: تداعيات مذهلة تهدد البشرية