أستراليا تدخل عصر “الضربة الدقيقة”: صاروخ PrSM يغيّر قواعد الردع في المحيط الهادئ
في أول اختبار ناجح من نوعه، أستراليا تطلق صاروخًا أميركيًا بعيد المدى بسرعة تفوق 4000 كم/س وسط تدريبات دولية ضخمة

في تطور عسكري لافت يحمل دلالات استراتيجية على توازنات القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أعلنت أستراليا عن إجراء أول تجربة ناجحة لصاروخ “برسيجن سترايك” (PrSM) الأميركي الصنع. من طراز بعيد المدى. هذا الاختبار، الذي تم من منطقة تدريب “ماونت بوندي” في الإقليم الشمالي، يأتي ضمن تدريبات “تاليسمان سابر” متعددة الجنسيات.
ويُعد ذلك بمثابة إعلان دخول الجيش الأسترالي مرحلة جديدة في قدراته على الردع. والضربات الاستباقية الدقيقة. فالصاروخ الذي قطع مسافة تجاوزت 300 كيلومتر في زمن قياسي لم يتجاوز أربع دقائق. وبسرعة فاقت 4000 كيلومتر في الساعة، يُمثّل نقلة نوعية في منظومة الردع الإقليمي، ويعزز من قدرة أستراليا على التأثير المباشر في مسرح عمليات واسع النطاق.
بعيدًا عن مجرد اختبار تكنولوجي، يعكس الحدث تحولًا استراتيجيًا في العقيدة العسكرية لأستراليا. مدفوعًا بقلق متزايد من النفوذ العسكري الصيني في المنطقة. فصفقة الصواريخ التي بلغت قيمتها 310 ملايين دولار، لا تقتصر على الجانب التسليحي فقط، بل تشمل أيضًا ترتيبات إنتاج مستقبلي ودعم لوجستي طويل الأجل. ما يدل على نية أسترالية لتعميق التحالف العسكري مع الولايات المتحدة، وتطوير بنية دفاعية مستقلة ذات بُعد هجومي واضح.
قدرات الصاروخ: دقة مدمرة وسرعة خارقة
الصاروخ الأميركي “PrSM”، والذي تم تطويره لصالح الجيش الأميركي، يتمتع بقدرات فنية عالية تُمكّنه من إصابة أهدافه الحيوية بدقة متناهية. ورغم أن مداه الرسمي يتراوح بين 300 و500 كيلومتر، إلا أن الميزة الأبرز فيه تكمن في سرعته الفائقة التي تقارب سرعة الصوت أربع مرات، ما يتيح له تجاوز الدفاعات التقليدية وتقليص زمن رد الفعل لدى الخصوم. المسؤولون العسكريون الأميركيون أوضحوا أن هذا النوع من الصواريخ لا يهدف إلى إحداث دمار واسع النطاق، بل لضرب أهداف محددة وذات قيمة استراتيجية عالية في وقت قصير للغاية، ما يُربك حسابات الخصم ويمنع إعادة تموضعه.
التحول في العقيدة القتالية الأسترالية
يمثل إدخال صواريخ “PrSM” إلى الخدمة نقطة تحول في استراتيجية الجيش الأسترالي، الذي ظل لعقود يركز على الدفاع عن الأراضي الأسترالية دون امتلاك أدوات هجومية بعيدة المدى. اليوم، وبفضل هذه القدرة الجديدة، أصبحت أستراليا قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة وعميقة ضد أهداف قد تبعد مئات الكيلومترات، وهو ما يُشكل عنصر ردع قوي في منطقة تشهد تصاعدًا مستمرًا في التوترات، لا سيما مع الصين. هذا التحول يتماشى مع توجهات واشنطن، التي تضغط على حلفائها الإقليميين للقيام بدور أكبر في مواجهة “التهديد الصيني”.
رمزية توقيت الإطلاق
اختارت أستراليا توقيتًا دقيقًا لإجراء هذا الاختبار، خلال أكبر نسخة من مناورات “تاليسمان سابر” التي تضم أكثر من 40 ألف جندي من 19 دولة. هذه الرمزية لا تخفى على المراقبين، فهي رسالة واضحة مفادها أن هناك محورًا عسكريًا متماسكًا ومستعدًا للردع، يمتد من أستراليا إلى الولايات المتحدة، مرورًا بدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية. كما أن الظهور الإعلامي الكثيف حول الحدث، وتصريحات المسؤولين الأستراليين والأميركيين، تعزز من فهمه كإشارة موجهة مباشرة إلى بكين.
تصريحات صريحة من واشنطن
لم تُخفِ الولايات المتحدة نواياها من دعم الجيش الأسترالي بهذه القدرات، بل صرّح وزير الجيش الأميركي دان دريسكول بوضوح أن “التهديد الرئيسي الذي نواجهه هو الصين”. وفي لغة تخلو من الغموض الدبلوماسي المعتاد، أوضح أن الخطط العسكرية الأميركية تُصمم اليوم لتكون قادرة على الردع والاستجابة لأي تحرك صيني. هذه التصريحات لا تُترك للمحللين فقط، بل تُعبّر عن تغير جذري في الخطاب السياسي والعسكري لواشنطن تجاه بكين، وهو ما يعكسه أيضًا تسارع وتيرة تحديث الترسانة الأميركية وتحويلها نحو تقنيات الضربات الدقيقة والبُعد السيبراني.

أهداف أبعد من الاختبار: نحو شبكات نيران مشتركة
تطمح الولايات المتحدة إلى إنشاء شبكة من أنظمة “نيران دقيقة بعيدة المدى” ضمن تحالفاتها في المحيط الهادئ، وأستراليا تُعد إحدى أبرز حلقات هذه الشبكة. فالصاروخ PrSM يمكن دمجه مع أنظمة HIMARS المحمولة. ما يسمح بنقل مرونة الهجوم والانتشار السريع إلى مستويات غير مسبوقة. هذا التكامل يُتيح تغطية جغرافيا شاسعة بعدد أقل من الوحدات. ويوفر قدرة ردع فعّالة في حال حدوث تصعيد عسكري، خصوصًا في محيط بحر الصين الجنوبي أو قرب تايوان.
ميزانية ضخمة ودعم طويل الأجل
الصفقة التي بلغت 310 ملايين دولار لا تقتصر على تسليم الصواريخ فقط، بل تتضمن أيضًا خيارات لإنتاجها مستقبلًا محليًا في أستراليا. وصيانة متقدمة، وتدريب شامل للعناصر البشرية. هذا النوع من الترتيبات لا يعكس فقط قوة التحالف الدفاعي بين البلدين. بل يؤكد كذلك رغبة أستراليا في بناء قاعدة صناعية دفاعية قادرة على دعم قدراتها الذاتية دون الاعتماد المفرط على الخارج. وهو اتجاه باتت تتبناه معظم الدول المتحالفة مع واشنطن في ظل احتمالات التصعيد المستقبلي.

بين الردع والحرب: كيف تُغيّر التكنولوجيا العسكرية معادلة الصراع؟
اللافت في تصريحات المسؤولين العسكريين الأميركيين هو تأكيدهم أن الغرض الأساسي من هذه الصواريخ ليس الحرب بل الردع. فالقدرة على توجيه ضربة سريعة ومميتة تُجبر الخصم على التفكير مرارًا قبل أي تحرك. ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوجيه الدقيق على خط المعادلة، يصبح من الممكن إدارة مواجهات محدودة التأثير دون الانزلاق إلى نزاعات شاملة. وهنا تبرز أهمية أنظمة مثل PrSM، التي تمثل مرحلة انتقالية نحو حروب تعتمد على الدقة والسرعة بدلًا من الكثافة والنار الشاملة.
ما الذي تعنيه هذه الخطوة للعالم العربي والمنطقة؟
ورغم أن الخبر يتعلق بمنطقة بعيدة جغرافيًا، فإن تداعياته تطال أيضًا مناطق مثل الشرق الأوسط،. حيث تتقاطع التحديثات العسكرية العالمية مع سباقات تسلح متصاعدة. فالمعادلة الجديدة التي تصيغها واشنطن من خلال مثل هذه الأسلحة، تقوم على الردع الاستباقي، والتدخل السريع. والضربات الدقيقة، ما قد يُغري العديد من الحلفاء – بمن فيهم بعض دول الخليج – للسير على النهج ذاته. كما أن حضور صواريخ بعيدة المدى. في المعادلات العسكرية قد يُعيد رسم أولويات الاستثمار الدفاعي إقليميًا.