الجوكر المشتعل:كيف تحاول موسكو تسويق قاذفة اللهب Tos -1Aرغم الخسائر المتكررة في اوكرانيا ؟
"الجوكر المشتعل: قاذفة اللهب الروسية TOS-1A بين الترويج والواقع"

في الوقت الذي تتساقط فيه أنظمة الأسلحة الروسية في ساحات المعارك الأوكرانية بفعل الطائرات المسيّرة والذخائر الغربية، تواصل موسكو بث رسائل دعائية تمجّد قدرات ترسانتها الحربية، في محاولة واضحة لقلب السردية الإعلامية. وكان أحدث فصول هذا الترويج هو وصف قاذفة اللهب الروسية الثقيلة TOS-1A المعروفة باسم “سولنتسيبيوك” بأنها “الجوكر في مجموعة أوراق المعركة”، في إشارة إلى قدرتها الفائقة على قلب الموازين والفتك بالعدو.
لكن هذا التمجيد يأتي بعد ساعات فقط من تداول مقاطع مصورة تُظهر تدمير أحد هذه الأنظمة على يد طائرة مسيّرة أوكرانية من نوع FPV في منطقة دونيتسك. وبين الواقع الميداني والحملة الإعلامية، تكشف قصة TOS-1A عن الكثير حول التوجهات العسكرية والدعائية لروسيا في هذه الحرب الممتدة.
الجوكر الحراري: ما الذي يجعل TOS-1A مختلفة؟
رغم اسمها الذي يوحي بلهب تقليدي، فإن “سولنتسيبيوك” هي في الحقيقة راجمة صواريخ حرارية، تطلق ذخائر ترموبارية من عيار 220 ملم، مصممة لتدمير التحصينات والبنى التحتية وحتى القوات المتخفية داخل الملاجئ. وتعتمد الذخيرة على مبدأ الانفجار المزدوج: الأول لنشر سحابة من الوقود في الهواء، والثاني لإشعالها، ما يخلق موجة صدمة حرارية تفوق 1000 درجة مئوية وتخترق الشقوق والمخابئ.
يمكن للمنظومة إطلاق 24 صاروخًا خلال 6 ثوانٍ فقط، لتغطية مساحة تقدر بـ40 ألف متر مربع، أي ما يعادل ستة ملاعب كرة قدم. وقد جُهّزت المنظومة على هيكل دبابة T-72 الثقيلة، ما يمنحها قدرة على المناورة والحركة السريعة في ميادين القتال، بسرعة تصل إلى 60 كيلومترًا في الساعة ومدى عملياتي يبلغ 550 كيلومترًا.
سلاح الرعب والدعاية: الترويج على وقع الخسائر
في منشور على منصة “تيليغرام” في 28 يوليو، وصف مجمع “روستيك” الدفاعي الروسي النظام بأنه “الجوكر الذي لا يُهزم في ساحة الحرب النووية والبيولوجية والكيميائية”، مشيرًا إلى أن “الذخيرة الفريدة تدمر كل شيء تقريبًا، وتخترق حتى الملاجئ والمخابئ”. لكن المنشور ذاته اعترف ضمناً بأن النظام يُطارد باستمرار من قبل الطائرات المسيّرة والمدفعية الأوكرانية.
ويبدو أن هذا الخطاب الترويجي جاء ردًا على تقارير ظهرت في اليوم نفسه حول تدمير إحدى قاذفات “سولنتسيبيوك” في دونيتسك، مما يعكس محاولة روسية لاحتواء الضرر الإعلامي عبر تضخيم قيمة السلاح المفقود وإبراز تأثيره حتى في حال خسارته.
نقاط القوة والضعف: ما الذي يجعلها خطيرة… وسهلة التدمير؟
تكمن قوة TOS-1A في استخدامها ضد تجمعات الأفراد والمباني الدفاعية، إذ يصعب على القوات المستهدفة النجاة من الضغط الحراري والانفجار مزدوج المرحلة. لكن بالمقابل، فإن حجمها الكبير ونطاقها القصير نسبيًا (حتى 6 كيلومترات) يجعلها عرضة للاستهداف من الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للدروع.
ولهذا السبب، لجأت روسيا منذ بداية الحرب إلى تركيب “أقفاص الحماية” (cope cages) فوق المنظومة لردع الطائرات المسيّرة، وهو إجراء سخر منه الغرب في البداية، قبل أن يعتمده لاحقًا على دبابات “أبرامز”.
حضور مستمر في أوكرانيا رغم الخسائر
ظهرت TOS-1A لأول مرة في شرق أوكرانيا عام 2015، وأكدت وزارة الدفاع البريطانية استخدامها الفعلي من قِبل روسيا في مارس 2022. وقد استخدمت موسكو هذه القاذفة الحرارية بشكل مكثف في هجماتها على المواقع المحصنة الأوكرانية، حيث توصف بأنها “سلاح يزرع الذعر”، وفقًا لوزارة الدفاع الروسية.
لكن رغم الترويج الروسي المستمر، تؤكد مصادر مفتوحة مثل موقع “أوريكس” الهولندي أن أكثر من 30 وحدة من TOS-1A قد تم تدميرها خلال الحرب، أغلبها بواسطة طائرات مسيّرة أو ذخائر دقيقة التوجيه.
الجيل الجديد: TOS-2 وTOS-3… والتحدي المستمر
منذ عام 2023، نشرت روسيا نسخة أحدث هي TOS-2 “توسوشكا”، والتي تم تزويدها بمعدات تمويه ضد الأشعة تحت الحمراء والرادارات. وفي فبراير 2025، سُجّل أول تدمير مؤكد لهذه النسخة الجديدة في منطقة دونيتسك أيضًا، ما يطرح تساؤلات حول فعالية هذه “التحسينات”.
ويُعتقد أن روسيا تعمل حاليًا على تطوير الجيل الثالث من النظام تحت اسم “TOS-3 دراجون”، في محاولة لتعزيز قدرتها على البقاء في ساحات المعارك.
الرسائل الدعائية والتصديرية: هل تصمد أمام السوق؟
لا تقتصر أهمية هذه الرسائل على الساحة الأوكرانية، بل تأتي أيضًا في سياق سعي روسيا لاستعادة حصتها من سوق السلاح العالمي بعد تراجعها بنحو 64% خلال الفترة 2020–2024 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة. ففي فبراير 2024، أعلنت شركة “روس أوبورون إكسبورت” أن السعودية أبدت اهتمامًا بشراء TOS-1A ضمن حزمة أسلحة روسية، إلا أن الصفقة لم ترَ النور حتى الآن.
وفي هذا السياق، يبدو أن وصف “الجوكر” يهدف ليس فقط إلى رفع المعنويات المحلية، بل أيضًا لجذب المشترين الخارجيين في عالم يشهد منافسة شرسة على صفقات السلاح.
نارٌ مشتعلة بين الدعاية والواقع
رغم الترويج الروسي المتواصل لقدرات “سولنتسيبيوك” القتالية، فإن الخسائر الميدانية المتكررة تكشف عن هشاشة هذه الأنظمة أمام الأسلحة الغربية الأرخص والأكثر مرونة، كالمسيّرات الهجومية. وفي ظل معركة مستمرة بين سردية القوة وسردية الانكشاف، تظل TOS-1A تمثل مثالًا على التباين بين الدعاية العسكرية الروسية والواقع القتالي شديد التعقيد في أوكرانيا.