فايننشال تايمز: ما سر ارتفاع تكاليف معاملات العقار في سنغافورة إلى مستوى عالمي؟

خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة في أغسطس، شُرِيت نحو 90% من شقق مبنى سكني مكوّن من 36 طابقًا في منطقة ريفر فالي الراقية بسنغافورة — رغم أن المشروع لن يكتمل إلا بعد أربع سنوات. تراوحت أسعار الشقق من 1.2 مليون دولار سنغافوري إلى 3.5 مليون للشقق من غرفة إلى أربع غرف، وبِيع أكثر من 900 وحدة قبل طرحها فعليًا.وهذا يعكس قوة الطلب — خاصّة على الفئات الفاخرة — رغم سلسلة من إجراءات الحكومة لتهدئة السوق.
ارتفاع الضرائب كأداة لاحتواء الأسعار
تحاول السلطات كبح ارتفاع أسعار المساكن (التي قفزت أكثر من 150% على مدار 20 سنة) عبر رفع رسوم وضرائب المعاملات، لا سيما على المشترين الأجانب. السبب الرسمي: منع فقاعة وتقليل الضغوط المعيشية التي كانت على رأس اهتمامات الناخبين في الانتخابات الأخيرة. حسب بيانات الحكومة، بلغ التضخم السعري للعقارات 3.9% العام الماضي بعد أن كان 6.8% في العام الذي قبله — ومع ذلك تظل الأسعار مرتفعة.
ماذا تغيّر منذ 2011؟ ضريبة “المشتري الإضافي” تتحوّل إلى سيفين مفنّنين
في 2011 أدخلت سنغافورة ما عُرف بـ “ضريبة المشتري الإضافي” (ABSD) فوق ضريبة السجل العادية (1–3%). بدأت تسلسلها بفرض 10% على الأجانب، و3% على مواطني سنغافورة عند شراء العقار الثالث فما فوق. لكن مع استمرار صعود الأسعار قرّرت الدولة تشديد القواعد حتى وصلت الآن إلى:
60% ABSD على مشتريات الأجانب.
20% على شراء السنغافوري للعقار الثاني، و30% على الثالث فصاعدًا.
هذه الارتفاعات أثّرت بوضوح على سلوك الشراء: قُلّ عدد المشترين الأجانب المباشرين، بينما لجأ البعض إلى التقديم للحصول على إقامة دائمة للحصول على معاملة ضريبية أخف (5% عن الشراء الأول لمن يصبح مقيّماً دائمًا).
ثغرات وتأثيرات جانبية: من الاستثناءات إلى التهرب عبر العائلة
تُعفى دول معيّنة من تطبيق 60% إذا كانت لديها اتفاقيات تجارة حرة سبقت زيادات الضريبة — ومن ثم لم تُطبّق الرسوم الكاملة على مواطني الولايات المتحدة وإيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا. هذا التمييز ساهم في تحوّل الملفّ الديموغرافي للمشترين: وُصِفَ أن الأميركيين صاروا يشكلون 40–50% من المشترين الأجانب في العامين الأخيرين، متفوّقين على الصينيين.
كما يستغل أثرياء محليون طرقًا للالتفاف على الضريبة، عبر تسجيل المشتريات باسم أفراد العائلة لتفادي رسوم العقار الثانية والثالثة.
ضوابط على التداول وتقليل المضاربة
لمنع المضاربات السريعة أعادت الحكومة هذا الصيف فرض قواعد تقليل «البيع السريع»: من يبيع عقاره خلال سنة من الشراء يخضع لرسوم إضافية 16%، ثم تنخفض الرسوم تدريجيًا إلى 4% لمن يبيع بين السنة الثالثة والرابعة، ولا توجد رسوم على مَن يحتفظ لأكثر من أربع سنوات. الهدف واضح: تخفيف التداول قصير الأمد الذي يرفع الضغوط السعرية.
خلاصة: أدوات فعّالة لكن السوق ما زال متينًا
المقاربة السنغافورية تعتمد على رفع تكاليف الشراء لتبريد الطلب الأجنبي والمضاربة، ومع أن هذه الإجراءات نجحت في تقليص مشتريات الأجانب بشكل ملحوظ، إلا أنها لم تكتمِل في خفض الأسعار كليًا بسبب تراكم رأس المال المحلي واهتمام السكان بالعقار كأداة ادخار واستثمار. بنية ملكية المنازل المرتفعة (نحو 91% امتلاكًا منزليًا) وتاريخ سياسات تشجيع التملك يجعلان سوق سنغافورة فريدًا، ومن ثم فإن مزيجًا من الضرائب والقيود التنظيمية سيظل ضروريًا لإدارة توازن العرض والطلب والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطني.