الاقتصاد

تقرير «فايننشال تايمز»: “الخوف المطلي بالذهب” يشعل أقوى موجة صعود للذهب منذ 1979

كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن الذهب يشهد طفرة غير مسبوقة في تاريخه الحديث، إذ قفز سعر الأونصة بنسبة تتجاوز 50% منذ بداية عام 2025 ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 3,940 دولارًا، وهو الأداء الأفضل للمعدن الأصفر منذ أزمة النفط عام 1979.

السبب الرئيسي؟ مزيج من الذعر المالي، وتراجع الثقة في السندات، والخوف من التضخم، فيما وصفه محللون بأنه موجة “FOMO مطلية بالذهب” — أي “الخوف من تفويت الفرصة” في نسخته الفاخرة.

خلفية: من ملاذ آمن إلى أصل لا يمكن تجاهله

في البداية، جاء الارتفاع نتيجة المخاوف من الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما دفع المستثمرين للهرب من الدولار نحو الأصول الآمنة. لكن اللافت أن الذهب واصل ارتفاعه حتى بعد تراجع التوترات التجارية، ما يشير إلى تحول هيكلي في طريقة تعامل المؤسسات المالية مع المعدن النفيس.

يقول لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة Pictet Asset Management:

“لقد أصبح الذهب كبيرًا جدًا بحيث لا يمكن تجاهله… هناك نقطة يصبح فيها من المستحيل ألا تملكه”.

صناديق المؤشرات: المحرك الخفي للطفرة

توضح الصحيفة أن الارتفاع الجنوني مدفوع أساسًا بتدفقات ضخمة نحو صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs)، إذ بلغت صافي التدفقات إليها 13.6 مليار دولار خلال أربعة أسابيع فقط، ليرتفع الإجمالي السنوي إلى أكثر من 60 مليار دولار — وهو رقم قياسي مطلق.

ويقول نيكي شيلز، محلل في شركة MKS Pamp:

“السوق أصبح مجنونًا بعض الشيء… والمحرّك الجوهري هو هذه التدفقات المؤسسية الهائلة إلى صناديق الذهب”.

حاليًا، تمتلك هذه الصناديق أكثر من 3,800 طن من الذهب، وهو مستوى قريب من ذروة جائحة كورونا عام 2020.

التحول المؤسسي: الذهب كعنصر رئيسي في المحافظ الاستثمارية

اللافت في الموجة الحالية هو انتقال الذهب من أداة تحوّط إلى مكوّن أساسي في المحافظ طويلة الأجل، بما في ذلك صناديق التقاعد.

تقترح مؤسسة مورغان ستانلي تعديل التوزيع التقليدي للأصول من 60/40 (أسهم/سندات) إلى 60/20/20، بحيث يصبح الذهب مساويًا للسندات في الوزن الاستراتيجي.

إذا تحقق هذا التوجه، فقد يعني تدفّق تريليونات الدولارات نحو الذهب خلال السنوات المقبلة، مقارنةً بنسبة لا تتجاوز حاليًا 2% فقط من الأصول بحسب مسح بنك أوف أميركا.

خلفية اقتصادية: ضعف السندات وقلق التضخم

تشير مايا بهانداري، مديرة الاستثمار في Neuberger Berman، إلى أن الاضطرابات في أسواق السندات جعلت الذهب يبدو أكثر جاذبية كأداة توازن للمحافظ مقارنة بالدخل الثابت.

وفي الوقت ذاته، يزداد القلق من أن الحكومات المثقلة بالديون ستلجأ إلى السماح للتضخم بتجاوز المستهدفات لتقليص عبء الديون — خاصة مع ضغوط ترامب المتكررة على الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة.

وتوضح فرانشيسكا فورناساري من Insight Investment أن الذهب أصبح بمثابة تأمين ضد سيناريو فقدان السيطرة على التضخم أو استقلالية البنك المركزي، حتى لو لم يكن هذا السيناريو هو “الاحتمال الأساسي”.

المستثمرون الكبار يعودون إلى الحلبة

يقول مايكل ويدمر، رئيس أبحاث المعادن في بنك أوف أميركا:

“للمرة الأولى منذ فترة طويلة، نتلقى عددًا كبيرًا من الاستفسارات من عملاء يرغبون في بناء مراكز ذهبية طويلة الأجل”.

وبينما يواصل بعض المستثمرين المراهنة على ضعف الدولار، يرى آخرون في الذهب وسيلة للتحوّط من اضطراب الأسواق واهتزاز الثقة في السياسات النقدية، كما أوضحت فاليري نويل من بنك Syz Group السويسري.

مقارنة تاريخية: من 2011 إلى 2025

على الرغم من أن الذهب كان قد لامس مستويات مرتفعة بعد الأزمة المالية العالمية، إلا أنه فشل في تجاوز قمته لعام 2011 حتى صيف 2020. اليوم، بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، عاد الذهب ليحطم كل الأرقام القياسية بفضل بيئة من الديون السيادية المرتفعة، وتباطؤ النمو، وتراجع الثقة في الدولار.

خلاصة

الطفرة الذهبية الحالية ليست مجرد موجة مضاربات قصيرة، بل تحول استراتيجي عميق في سلوك المستثمرين العالميين.

فبعد عقود كان فيها الذهب يُنظر إليه كأصل جامد “لا ينتج دخلاً”، أصبح اليوم يُعامل كركيزة ثالثة في الهيكل الاستثماري إلى جانب الأسهم والسندات.

وفي ظل استمرار المخاوف من التضخم وتراجع الثقة في العملات الورقية، يبدو أن الخوف من تفويت الفرصة – أو “Gold-plated FOMO” – قد يظل الوقود الرئيسي لموجة الصعود القادمة.

اقرأ أيضاً:

تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 في البنوك المصرية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى