الأمم المتحدة تحذر: سوريا علي حافه الهاويه بعد تصاعد الاشتباكات الطائفيه

المبعوث الأممي: بطء الإصلاحات يهدّد المرحلة الانتقالية وحكومة أحمد الشرع تواجه اختبار الشرعية
حذّر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن من أن البلاد تقف اليوم “على حافة الهاوية”، في ظلّ تصاعد العنف الطائفي وبطء وتيرة الإصلاحات، مما يهدّد بزعزعة المرحلة الانتقالية الهشّة التي تعيشها دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي.
وفي مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، قال بيدرسن إن التوترات المذهبية وضعف مؤسسات الأمن والعدالة تثير “قلقًا متزايدًا داخل سوريا”، مؤكدًا أن الرئيس الجديد أحمد الشرع يحتاج إلى “تصحيح المسار قبل فوات الأوان”. وأضاف:
“الوضع خطير للغاية… سوريا تقف على السكين، وإذا لم يتحرك الرئيس بسرعة، فثمة خطر حقيقي بأن تتحول إلى ليبيا أخرى.”
من سقوط الأسد إلى تحدّي الحكم
جاءت تحذيرات الأمم المتحدة بعد مرور نحو عام على الهجوم الذي قادته فصائل المعارضة بقيادة الشرع وأطاح بحكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من نصف قرن. وأُجريت يوم الأحد انتخابات برلمانية مؤقتة اعتُبرت اختبارًا لالتزام القيادة الجديدة بانتقال سياسي أكثر شمولًا وتمثيلًا.
لكن الآمال التي رافقت سقوط النظام تراجعت سريعًا بعد اندلاع اشتباكات دموية بين فصائل من أنصار النظام السابق المنتمين للطائفة العلوية، ومقاتلين من هيئة تحرير الشام الموالية للشرع، أسفرت عن مقتل نحو 1,400 شخص في محافظة اللاذقية في مارس الماضي. كما شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية مواجهات مشابهة في يوليو، وسط انسحاب القوات الحكومية وغياب السيطرة المركزية.
وأدّت الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع الجيش في دمشق والجنوب إلى تفاقم التوترات، إذ قالت تل أبيب إنها تحمي الدروز، الأمر الذي اعتبره بيدرسن “عاملًا يزعزع الاستقرار ويزيد حدة الانقسام”.
تآكل الثقة وتفكك السلطة
أوضح المبعوث الأممي أن حكومة الشرع لم تنجح بعد في دمج الفصائل السنية المسلحة التي شاركت في معارك الإطاحة بالأسد ضمن جهاز أمني موحد، مضيفًا أن الرئيس “لا يشعر بأنه مستعد بعد لإجراء إصلاحات أمنية”، ما سمح لهذه الفصائل بـ“تأسيس مناطق نفوذ خاصة بها”.
وفي الجنوب، أصبحت السويداء شبه معزولة وتخضع لسيطرة فصائل درزية مستقلة، بينما لا يزال الأكراد في الشمال الشرقي يحتفظون بقواتهم المدعومة أميركيًا ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، رغم اتفاق مبدئي وُقّع في مارس لدمج نحو 60 ألفًا منهم في المؤسسات الرسمية — اتفاق لم يُنفّذ حتى الآن.
وأشار بيدرسن إلى أن أحداث اللاذقية والسويداء عمّقت فقدان الثقة بين المكونات السورية، موضحًا أن “الشرع يريد منح الأكراد حقوقًا سياسية، لكن الصدامات الأخيرة جعلت الجميع أكثر تشددًا”.
الشرع بين الواقعية والضغوط الداخلية
أشاد المبعوث الأممي بما وصفه بـ“البراغماتية” التي أظهرها الرئيس الجديد من خلال سماحه بتحقيقات أممية مستقلة حول أعمال العنف في الساحل والجنوب، واعتقال بعض المسؤولين الأمنيين المتورطين. لكنه شدّد على ضرورة أن يتقدّم الشرع بخطوات ملموسة نحو العدالة الانتقالية، تشمل محاسبة الجرائم المرتكبة في عهد الأسد وتلك التي ارتكبتها قواته الحالية.
كما انتقد بيدرسن تعيين قضاة شرعيين من معاقل هيئة تحرير الشام في إدلب داخل النظام القضائي الجديد، معتبرًا أن هذه الخطوة “تُغذّي المخاوف من انحراف المسار الإصلاحي نحو الأيديولوجيا الإسلامية بدل دولة المؤسسات”.
وأضاف:
“أحمد الشرع رجل براغماتي تعلّم من تجربته في إدلب، لكنه يحتاج الآن إلى نوعٍ مختلف من الشرعية — شرعية تقوم على التوافق الوطني لا على القوة العسكرية.”
تحذير ختامي: الفرصة تضيق
اختتم بيدرسن تصريحاته بتحذير واضح من أن المرحلة الانتقالية في سوريا قد تنهار إن لم تُترجم الوعود إلى إصلاحات واقعية وسريعة. وقال:
“على الرئيس أن يُظهر للسوريين أنه يدرك حجم مخاوفهم، حتى لا تبدأ قوى التخريب بالتحرك ضده. الناس بحاجة إلى أن يؤمنوا أن هذه بداية جديدة، لا مجرد ولادة نظام استبدادي جديد.”