الوكالات

نيويورك تايمز : حملة ترامب للانتقام السياسي تبدأ رسميًا وسط عقبات قانونية وتشكيك واسع

في تحرك جديد يعكس تصاعد النزعة الانتقامية في أروقة إدارة ترامب الثانية، وافقت المدعية العامة الأمريكية بام بوندي على فتح تحقيق أمام هيئة محلفين كبرى في فلوريدا حول ما يُعرف في أوساط أنصار الرئيس السابق بـ”خدعة روسيا” — وهو المصطلح الذي يستخدمه ترامب لوصف تحقيقات 2016 بشأن تواصله مع روسيا.

وبينما لم يُعرف بعد ما إذا كانت وزارة العدل قد بدأت فعليًا في تقديم الأدلة، فإن مجرد صدور هذا القرار يعبّر عن تحوّل الخطاب السياسي للرئيس إلى خطوات تنفيذية، في ظل تصاعد الضغط من قاعدة ترامب الغاضبة بعد تداعيات ملف جيفري إبستين.

دافع انتقامي يطغى على العقبات القانونية

يبدو أن هذه الخطوة، رغم ما تعانيه من هشاشة قانونية، تهدف أولًا إلى إرضاء الرئيس الغاضب وتوجيه الأنظار بعيدًا عن الغضب الشعبي حيال سوء تعامل وزارة العدل مع قضية إبستين. ويقول مقربون من ترامب إن الأخير يضغط شخصيًا للإسراع بملاحقة من يراهم مسؤولين عن “اضطهاده” السياسي خلال السنوات الماضية.

المثير للانتباه أن المحققين تجنبوا إطلاق هذا التحقيق في العاصمة واشنطن، حيث دارت وقائع تحقيقات روسيا الأصلية، خوفًا من عدم العثور على هيئة محلفين متعاطفة مع ترامب. وبدلًا من ذلك، جرى نقل الملف إلى فلوريدا، وهي منطقة أكثر دعمًا له سياسيًا، ما يعزز من الطابع الحزبي البحت للتحقيق.

تورط المخابرات وسقوط محاولات سابقة

تأتي هذه التطورات بعد إحالة من تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، التي قدمت وثائق تزعم وجود مؤامرة من مسؤولين في إدارة أوباما للتآمر ضد ترامب عام 2016. ورغم أن هذه المزاعم سبق التحقيق فيها من قبل المحقق الخاص جون دورهام — والذي فشل في الحصول على إدانات مقنعة — فإن ترامب وأنصاره يصرون على إحياء الملف مجددًا لأغراض سياسية.

وقد أنشأت بام بوندي بالفعل “قوة ضاربة متعددة الوكالات” للتحقيق في هذه المزاعم، في تحرك وصفه مراقبون بأنه استعراض سياسي أكثر منه مسعى قضائي حقيقي.

اليمين الشعبوي داخل الحزب الجمهوري لم ينتظر كثيرًا لإبداء الحماسة. نشطاء بارزون ونواب مثل مارجوري تايلور غرين بدأوا بنشر “قوائم أهداف” للملاحقة القانونية تشمل ملف روسيا، اقتحام الكابيتول في 6 يناير، ونتائج انتخابات 2020. وعلّقت غرين بحدة: “لا تتحدثوا عن الانتقام إذا كنتم لا تنوون التنفيذ”.

وبالفعل، فإن بعض من أنصار ترامب الذين حصلوا على عفو رئاسي بعد تورطهم في أحداث الشغب هم من بين أكثر الأصوات تطرفًا التي تطالب باعتقال خصوم ترامب السياسيين، بمن فيهم شخصيات بارزة من إدارة أوباما.

استخدام وزارة العدل كأداة سياسية

بحسب مراقبين، فإن ترامب يحوّل وزارة العدل إلى أداة انتقامية ضد من يعتبرهم أعداءه، حتى لو تطلب الأمر إعادة فتح ملفات تم التحقيق فيها مسبقًا ولم تؤدِّ إلى نتائج قانونية تُذكر. واللافت أن بعض وسائل الإعلام اليمينية مثل “فوكس نيوز” كانت أول من كشف عن وجود التحقيق، قبل أن تؤكده جهات رسمية — ما يؤكد أن الهدف سياسي واستعراضي بامتياز.

في هذا السياق، قال أحد مسؤولي الإدارة إن مجرد وجود تحقيق، حتى وإن لم يُفضِ إلى لائحة اتهام، يحقق أهدافًا سياسية كبرى مثل توجيه الاتهامات العلنية، والتشهير، وخلق انطباع لدى الجمهور بأن هناك “حقيقة ما” خلف مزاعم ترامب.

هل تحوّل التحقيقات إلى نتائج ملموسة؟

رغم الحماسة الظاهرة، تبقى التحديات القانونية ضخمة أمام أي محاولة حقيقية لمحاسبة مسؤولين سابقين في الحكومة. فأغلب الوقائع تعود لأكثر من 8 سنوات، أي أنها قد سقطت بالتقادم، ما يجعل توجيه أي اتهامات جنائية أمرًا شبه مستحيل.

كما أن التحقيقات السابقة — مثل تلك التي أجراها جيف سيشنز عام 2017 بشأن هيلاري كلينتون وملفات 2016 — استمرت لعامين دون نتائج تُذكر، ثم طُويت بصمت.

الرهان على صورة “الرئيس المنتقم”

في النهاية، يبدو أن الرئيس ترامب، الذي يدخل شهره السادس من ولايته الثانية، لا يسعى فقط إلى تحقيقات قانونية، بل إلى إعادة ترسيخ صورته كمن يقاتل “الدولة العميقة” وينتقم من خصومه السياسيين. ومن خلال فتح ملفات روسيا مجددًا، يسعى إلى شدّ أواصر العلاقة مع قاعدته الانتخابية، وتهميش الجدل المحيط بملف إبستين، وإعادة تدوير نظرية المؤامرة القديمة إلى أدوات انتخابية جديدة.

ولكن، في ظل غياب أدلة جديدة، ومرور الوقت على الوقائع، وتحقيقات سابقة لم تفضِ إلى شيء — يبقى هذا التحرك أقرب إلى محاولة سياسية يائسة لإعادة رسم السردية، لا إلى عدالة تُنصف فعلاً أو تكشف حقائق جديدة.

اقرأ أيضاً:

ترامب يعلن الحرب على علوم المناخ: تداعيات مذهلة تهدد البشرية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى