مخابئ سرية ومراقبة دقيقة: كيف يواصل كارتل سينالوا تهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة؟
تهريب الفنتانيل

في تقرير مفصل، كشفت صحيفة نيويورك تايمز كيف تكيف كارتل سينالوا، إحدى أقوى العصابات الإجرامية في العالم، مع الضغوط الشديدة من السلطات الأمريكية والمكسيكية. شنت هذه السلطات حملة قمع شاملة على عمليات تهريب الفنتانيل التي يقوم بها الكارتل، ولكن على الرغم من التحديات المتزايدة، يواصل الكارتل إيجاد طرق مبتكرة لتهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. من خلال تقنيات إخفاء عالية الدقة، وشبكة معقدة من العملاء، ونظام من المسؤولين الفاسدين، يحافظ كارتل سينالوا على تدفق مستمر للفنتانيل، الذي غذّى أزمة الإدمان في الولايات المتحدة، وهو مسؤول عن آلاف الوفيات سنويًا.
عمل مُغلّف الفنتانيل: الإخفاء والدقة
تبدأ العملية في كولياكان، معقل كارتل سينالوا، حيث يعمل ميكانيكي مخضرم نهارًا، كما يعمل ليلًا في تعبئة الفنتانيل. يعمل الميكانيكي بدقة متناهية، ويستخدم ورق الألمنيوم لتغليف عبوات الفنتانيل، مُغطّيًا إياها بمركب ذي رائحة الكلور لتجنب اكتشافه بواسطة كلاب الشم. ولمزيد من تجنب اكتشافه بواسطة أجهزة الأشعة السينية، يُغلّف المخدر بورق الكربون، مُشكّلًا طبقات من الحماية مُصمّمة للتغلب على أساليب الكشف الشائعة التي تستخدمها السلطات.

هذه الطريقة ليست سوى مثال واحد على الطرق الإبداعية التي طوّرها الكارتل لمواكبة التدقيق المتزايد. على مر السنين، شهد هذا الميكانيكي، الذي يعمل مع الكارتل منذ أكثر من 20 عامًا، أن وظيفته أصبحت أكثر خطورة بكثير بسبب تشديد إنفاذ القانون من قِبل كل من الحكومتين الأمريكية والمكسيكية. ومع ذلك، على الرغم من هذه المخاطر، لا يزال التزام الكارتل بتجارة الفنتانيل قويًا. عمليات الكارتل وآلية التهريب
يستخدم الكارتل أساليب متنوعة لإخفاء الفنتانيل، كإخفائه في خزانات الوقود، أو تحت أغطية السيارات، أو داخل حجرات مخفية في أبوابها. ويصمم الميكانيكي، الذي يعمل على المركبات، هذه الإخفاءات بعناية فائقة لضمان عدم اكتشافها أثناء عمليات التفتيش الروتينية. وتُصمم كل مركبة بطريقة إخفاء محددة، تختلف باختلاف نوعها وكمية الفنتانيل المنقولة.

لا تقتصر مهمة المُهرب على تعبئة المخدرات؛ إذ تتطلب عملية التهريب تنسيقًا دقيقًا. يُكلف سائق بنقل المركبة عبر الحدود إلى الولايات المتحدة، غالبًا بمساعدة مراقبين متمركزين على طول الطريق. ويتولى هؤلاء المراقبون مسؤولية رصد التهديدات المحتملة، مثل نقاط التفتيش التابعة للشرطة أو الجيش، مما يسمح للسائق بالمرور عبر المناطق المثيرة للقلق وتجنب الكشف.
رد فعل الكارتل على التهديدات المتزايدة
على الرغم من الضغوط المتواصلة، يواصل الكارتل التكيف. في ظلّ الحملات العسكرية الصارمة وتشديد الرقابة على الحدود، بدأ الكارتل باستخدام شحنات أصغر حجمًا لتقليل فرص الكشف. وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد عبوات الفنتانيل المهربة عبر الحدود، وإن كانت بكميات أقل. كما يلجأ الكارتل إلى الرشاوى لتسهيل حركة المركبات عبر نقاط التفتيش العسكرية ونقاط إنفاذ القانون بسلاسة. ووفقًا لعملاء الكارتل، تُرتّب الرشاوى في مواقع عسكرية مختلفة، لضمان مرور المركبات دون تفتيش.
في إحدى الحالات، تورط أحد ضباط الحدود الأمريكيين، الذي كان يعمل سابقًا مراقبًا للكارتل، في تلقي رشاوى للسماح لمركبات تحمل الفنتانيل بالمرور عبر نقاط التفتيش دون تفتيش. ويمتد نطاق الكارتل إلى مناطق حدودية رئيسية، حيث اكتسب سيطرة شبه كاملة، مما يسمح له بتهريب الفنتانيل بسهولة إلى مدن مثل توكسون وكاليفورنيا.

دور الفساد والمراقبين في شبكة التهريب
تدعم شبكة من المراقبين عمليات التهريب، موزعين استراتيجيًا على طول الطريق لرصد أي تهديدات محتملة. يعمل هؤلاء المراقبون كعيون وآذان للعصابة، حيث يراقبون أي شيء مثير للريبة، مثل مركبة غير مألوفة أو نقطة تفتيش جديدة. يتواصلون مباشرةً مع السائق لتقديم التحديثات والتعليمات في الوقت الفعلي، مما يضمن وصول المخدرات إلى وجهتها بأمان.
طورت العصابة بنية تحتية متطورة تضم موظفين تنفيذيين ومسؤولين فاسدين. على سبيل المثال، تورط ضباط حدود أمريكيون في شبكة التهريب التابعة للعصابة، حيث تلقوا رشاوى للسماح للمركبات المحملة بالفنتانيل بالمرور عبر الجمارك دون أن يتم اكتشافها. يلعب هؤلاء الضباط، إلى جانب أفراد من الجيش المكسيكي، دورًا حاسمًا في تسهيل عملية التهريب. رحلة الفنتانيل الخطرة: من المكسيك إلى الولايات المتحدة
بمجرد أن تبدأ المركبات المحملة بالفنتانيل رحلتها من كولياكان باتجاه الحدود الأمريكية، تواجه مراحل تنسيق متعددة. يتبع السائق سلسلة من التعليمات، غالبًا ما تُنقل عبر رسائل مشفرة، تُفصّل الطرق التي يجب سلوكها وتلك التي يجب تجنبها. في نقاط معينة، يُطلب من السائق التوقف وانتظار التحديثات من كبار المسؤولين، مما يُظهر قدرة الكارتل على التكيف مع الظروف المتغيرة واتخاذ قرارات آنية لحماية العملية.
مع اقتراب المركبات من الحدود، تستقبلها شبكة راسخة من مراقبي الكارتل وأعضاءه، الذين يُساعدون في تنسيق المرحلة الأخيرة من الرحلة. ومع ذلك، فإن هذه العمليات ليست خالية من المخاطر. غالبًا ما يواجه السائق احتمال الكشف، ولكن بدعم من شبكة الكارتل الواسعة، يتمكن من تجاوز المواقف الخطرة. إذا تم رصد شحنة، ينتقل الكارتل بسرعة إلى خطة احتياطية، مما يضمن استمرار وصول المخدرات عبر الحدود.

ضغوط الفنتانيل على المجتمع الأمريكي
على الرغم من نجاح الكارتل المستمر في تهريب الفنتانيل عبر الحدود، إلا أن عواقب أفعاله لا تزال محسوسة بعمق في الولايات المتحدة. فقد أصبح الفنتانيل أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في البلاد، مما ساهم في تفاقم أزمة الإدمان. ولا يُبدي المتورطون في عمليات الاتجار أي ندم على الدمار الذي يُلحقونه، إذ يعتبره الكثيرون مجرد عمل تجاري. لا يزال الطلب على الفنتانيل في الولايات المتحدة مرتفعًا، وطالما أن هناك سوقًا لهذا المخدر، سيواصل الكارتل إيجاد سبل لتلبية هذا الطلب، مهما كانت العواقب.
الخاتمة: صمود كارتل سينالوا
إن قصة وصول الفنتانيل إلى الولايات المتحدة عبر كارتل سينالوا دليل على صمود الكارتل وإبداعه. على الرغم من جهود السلطات الأمريكية والمكسيكية لتفكيك عملياتها، يواصل الكارتل تطوره، مبتكرًا أساليب جديدة لتهريب الفنتانيل والتهرب من تطبيق القانون. تضمن هذه الشبكة المعقدة من المهربين والمراقبين والمسؤولين الفاسدين استمرار ربحية هذه التجارة، رغم المخاطر والتهديدات التي تنطوي عليها. إن تأثير الفنتانيل على المجتمع الأمريكي بالغ، وطالما استمر الكارتل في العمل، ستستمر أزمة الإدمان والوفيات الناجمة عنها.