عربي وعالمي

الكرملين يعاقب الصحفيين.. اعتراف غير مباشر بمدى إيلام الحقيقة

عندما أدرجت موسكو اسم الصحفي البريطاني رافائيل بير على قائمة الممنوعين من دخول روسيا، لم يكن الأمر مجرد إجراء بيروقراطي. بالنسبة إلى بير، الذي طالما انتقد النظام الروسي وشنّ هجوماً على حرب فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، فإن العقوبة تعكس حساسية الكرملين المفرطة تجاه الأصوات الناقدة، وتُظهر كيف تتحول الحقيقة إلى جريمة في أعين السلطة.

 

مرآة مشوّهة.. وغضب السلطة

 

بير استعاد مثلاً روسياً قديماً يقول: لا تلوم المرآة إذا كان وجهك معوجاً. في نظره، العقوبات المفروضة عليه ليست إلا دليلاً على أن النظام الروسي يرفض مواجهة صورته الحقيقية، مفضلاً كسر المرآة على مواجهة عيوبه.

 

اتهامات “السرديات المعادية لروسيا”

 

الكرملين برّر الخطوة بأنها رد على “السياسات التصادمية” لبريطانيا في تسليح كييف، متهماً بير بترويج “سرديات معادية لروسيا”. غير أن الصحفي يرى أن توصيف بوتين كـ”طاغية فاسد” و”مهووس أيديولوجياً” ليس حملة دعائية، بل انعكاس لواقع دموي يرفض النظام الاعتراف به.

 

لغة البيروقراطية الانتقامية

 

البيان الروسي اتسم بمزيج من الغطرسة والتهديد، وهو أسلوب مألوف لجيل تربى في ظل البيروقراطية السوفيتية. لغة السلطة، كما يصفها بير، تجمع بين العبثية والرهبة، وتجعل المواطنين يسخرون سراً بينما يتظاهرون علناً بالطاعة.

 

إرث جوجول ومرآة السخرية

 

استعان بير بمسرحية “المفتش العام” للكاتب الروسي جوجول، التي فضحت الفساد في القرن التاسع عشر، ليوضح كيف أن الأدب الروسي طالما كان مرآة ساخرة للاستبداد. واليوم، يرى أن الضحك المكبوت والرموز المواربة ما زالت وسائل الروس للتعبير عن الرفض وسط أجواء القمع.

 

روسيا الأخرى.. بين المنفى والمنفى الداخلي

 

الصحفي يشير إلى أن روسيا ليست بوتين وحده. هناك مثقفون فرّوا إلى المنفى، وآخرون اختاروا ما يسميه “المنفى الداخلي”، حيث يعيشون بأفكار معارضة في عزلة عن جنون الدعاية الرسمية. هذه الأصوات، في رأيه، تمثل وجهاً آخر لروسيا، وجهاً يقاوم التسلط.

 

تلاشي التعددية تحت قبضة القومية

 

يحذر بير من أن القومية التي يروج لها الكرملين تعمل على تقليص مساحة التعددية الفكرية والثقافية. فكل رأي مختلف يُوصم بالخيانة، وكل اختلاف يُسحق لصالح صورة أحادية للهوية الوطنية، حتى لو كان ذلك على حساب الإبداع والحرية.

 

من قمع الفكر إلى قمع الجسد

 

يرى الكاتب أن نزعة النظام الروسي بدأت بخنق الأصوات الناقدة بالكلمات، لكنها سرعان ما تحولت إلى قمع جسدي وعسكري، تجلى في الحرب على أوكرانيا وفي مطاردة أي شكل من أشكال المعارضة الداخلية.

 

الحرب على التعددية قبل الحرب على أوكرانيا

 

بالنسبة إلى بير، الحرب الحقيقية التي يخوضها بوتين ليست فقط ضد أوكرانيا، بل ضد فكرة روسيا المتعددة الأصوات، روسيا التي صنعتها ثقافة المقاومة لا الخضوع. معركة الكرملين، كما يقول، هي معركة ضد مرآة تكشف قبح السلطة، وليست ضد من يمسكون بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى