حرب الطائرات المسيّرة: كيف غيّرت التكنولوجيا الحديثة وجه الصراع في أوكرانيا

بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على اندلاع الحرب الأوكرانية، بات المشهد الميداني مختلفًا جذريًا عمّا كان عليه في بدايتها. إذا كان السلاح الثقيل والمدفعية هما العنوان الأبرز في المراحل الأولى، فإن الصراع اليوم يتخذ شكلاً جديدًا: حرب الطائرات المسيّرة. من الاستطلاع والإنقاذ إلى الهجوم والاعتراض، أصبح المجال الجوي القريب من الخطوط الأمامية ساحة تتقاطع فيها التكنولوجيا مع التكتيكات العسكرية، في صراع متواصل بين “السيف والدرع”.
تكتيكات جديدة للجيش الروسي
قائد كتيبة “ذئاب دا فنشي”، إحدى الوحدات الأوكرانية البارزة، يصف محاولات الجنود الروس لاختراق الخطوط الأمامية بطرق أكثر بدائية وخطورة. فبدلًا من الاعتماد على المركبات المدرعة، باتوا يتسللون فرادى في محاولة للإفلات من رصد الطائرات المسيّرة الأوكرانية، ثم يتجمعون لمهاجمة المواقع. ورغم الخسائر الفادحة – إذ أكد مقتل 11 جنديًا روسيًا في يوم واحد – تستمر هذه الهجمات بشكل متواصل، ما يعكس ضغطًا من القيادات الروسية على الجنود حتى لو بدت الأوامر انتحارية.
الطائرات المسيّرة تغيّر قواعد الاشتباك
ظهور الطائرات المسيّرة من نوع FPV (الرؤية من منظور الشخص الأول) جعل ما يُعرف بـ”منطقة القتل” يمتد 12 إلى 14 كيلومترًا خلف خطوط المواجهة. هذه الطائرات، التي لا يتجاوز ثمن الواحدة منها 500 دولار، قادرة على ضرب أهداف بسرعة تصل إلى 100 كيلومتر/ساعة. النتيجة: اضطرار القوات الأوكرانية إلى نقل الإمدادات الغذائية والذخائر وحتى الجرحى إما سيرًا على الأقدام أو عبر مركبات مسيّرة برية.
الابتكار في استخدام المسيّرات البرية
في مواقع خلفية، عرضت وحدات “ذئاب دا فنشي” نماذج من مسيّرات برية مثل “ترميت”، التي تستطيع حمل 300 كيلوجرام لمسافة 20 كيلومترًا. هذه المركبات لا تُستخدم فقط في نقل الإمدادات، بل أيضًا في إنقاذ الجنود المصابين. إحدى العمليات استغرقت 20 ساعة كاملة لإنقاذ جندي مصاب بجروح خطيرة، وانتهت بنجاح بفضل هذه التكنولوجيا.
حرب إلكترونية مستمرة
المعركة لا تقتصر على الطائرات، بل تمتد إلى التشويش الإلكتروني. أحد قادة وحدات الدفاع الإلكتروني الأوكرانية أوضح أنهم ينجحون في تعطيل 70% من الطائرات الروسية عبر أنظمة تشويش متطورة. ومع ذلك، فإن الطرفين يحققان نسب نجاح متقاربة، ما يجعل المعركة أشبه بلعبة شد حبل دائمة: حين يتفوق الأوكرانيون مؤقتًا، ترد المدفعية الروسية بضرب أنظمة التشويش.
في جبهة خاركيف، يستخدم لواء أوكراني طائرة اعتراضية محلية الصنع تُعرف باسم “أرباليت”، تشبه جناح دلتا صغير مصنوع من البوليسترين، مزودة بقنبلة صغيرة. سرعتها تصل إلى 180 كيلومترًا/ساعة، ومهمتها الانقضاض على الطائرات الروسية وتفجيرها. تكلفة هذه الطائرة 500 دولار فقط، ما يعكس كيف باتت الحرب ساحة لـ”ابتكار الفقراء” في مواجهة منظومات عسكرية باهظة الثمن.
اختراقات روسية مقلقة
رغم التقدم التكنولوجي الأوكراني، نجحت القوات الروسية الشهر الماضي في التوغل لمسافة 20 كيلومترًا شمال شرقي بوكروفسك، في واحدة من أخطر الاختراقات منذ شهور. المعركة أسفرت عن مقتل نحو 1,100 جندي روسي، وفق مصادر عسكرية أوكرانية، لكنها أبرزت هشاشة بعض الخطوط الدفاعية.
الجنود بين الحرب والتكنولوجيا
قصص المقاتلين تعكس كيف غيّرت الحرب حياتهم. “بوهان”، أحد طياري الطائرات الاعتراضية، كان مديرًا تجاريًا قبل الحرب. زميله “داوس” عمل في الاستثمار. كلاهما اليوم يقضي ساعات طويلة في bunkers (ملاجئ تحت الأرض)، يراقبان السماء بحثًا عن أهداف روسية. بالنسبة لهم، التكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل وسيلة بقاء.
صراع بلا نهاية قريبة
رغم الجهود الدولية، بما فيها مبادرة السلام الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فإن المفاوضات متعثرة. في المقابل، تستمر المعركة على الأرض بوتيرة متصاعدة، حيث تحولت السماء والأرض معًا إلى ساحات حرب إلكترونية ومسيّرة. بالنسبة للمقاتلين على الجبهة، تبدو الحقيقة واضحة: هذه حرب استنزاف تكنولوجية قبل أن تكون معركة تقليدية.