روسيا تسرّع إنتاج الأسلحة الحديثة رغم استنزاف مخزونها السوفيتي

في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا للعام الرابع، تكشف تصريحات حديثة صادرة عن جهاز الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية (GUR) أن روسيا تستعد لإنتاج مئات الدبابات والطائرات ومنظومات الصواريخ بحلول نهاية عام 2025، رغم استهلاكها جزءًا كبيرًا من ترسانتها السوفيتية القديمة. هذه الخطة الطموحة، التي حددها نائب رئيس الاستخبارات الأوكرانية فاديم سكيبيتسكي، تؤكد أن موسكو لم تفقد قدرتها الصناعية، بل أعادت توظيف إرث صناعتها الدفاعية الضخم لتعويض الخسائر وتطوير جيل جديد من الأسلحة.
اللافت أن روسيا، بحسب التقرير، لا تكتفي بتحديث المخزونات القديمة أو إعادة تأهيل المعدات المخزنة منذ عقود، بل تمضي في مسار إنتاج نوعي يشمل المقاتلات الحديثة ( وSu-35) والدبابات المتطورة (T-90M) والصواريخ عالية الدقة. هذه الديناميكية تعكس تحولًا في العقيدة العسكرية الروسية، حيث بات التركيز على الأنظمة التي أثبتت فعاليتها في الحرب، مثل المسيّرات والصواريخ الموجهة، ما يثير قلقًا متزايدًا في كييف والغرب بشأن قدرة روسيا على الاستمرار في حرب استنزاف طويلة المدى رغم العقوبات الدولية.
إنتاج واسع للطائرات الحربية الحديثة
وفقًا لتصريحات سكيبيتسكي، تخطط روسيا لإنتاج 57 مقاتلة حديثة خلال عام 2025 من طرازات متنوعة، بينها Su-57 الشبحية، وSu-35 وSu-34 وSu-30. هذه الأرقام، وإن بدت محدودة مقارنة بإمكانات الغرب، تعكس إصرار موسكو على الحفاظ على تفوق جوي نسبي وتطوير أسطول قادر على مواجهة أنظمة الدفاع الغربية المتطورة التي حصلت عليها أوكرانيا. كما تمثل إشارة إلى أن خطوط إنتاج الطائرات الروسية لا تزال نشطة وفعّالة رغم العقوبات على قطاع الطيران العسكري.
إنتاج الدبابات والمدرعات الثقيلة
الخطة الروسية تتضمن تصنيع نحو 250 دبابة T-90M بحلول نهاية العام، إضافة إلى 1,100 ناقلة جند مدرعة جديدة من بينها BTR-82A. هذه الأرقام تعكس استثمارًا ضخمًا في الحرب البرية، حيث تلعب الدبابات دورًا رئيسيًا في معارك الجبهة الشرقية والجنوبية. كما أن الاعتماد على نموذج T-90M يعكس محاولة تقليص النماذج المعتمدة إلى ثلاثة فقط: T-90، T-14 Armata، وT-80، لتسهيل الصيانة والإمداد.
تعزيز المدفعية الثقيلة
روسيا تخطط أيضًا لإنتاج 365 نظام مدفعية جديد، لا يشمل الأنظمة المجددة أو المطورة. التركيز سيكون على أنظمة مثل Koalitsiya-SV وMsta وMalva، إلى جانب Giatsint وMagnolia. هذه الخطوة تؤكد أن موسكو ترى في المدفعية الثقيلة عنصرًا حاسمًا في استراتيجيتها، خاصة بعد أن أثبتت فعاليتها في استنزاف القوات الأوكرانية وإرغامها على القتال ضمن خطوط دفاعية ثابتة.
إعادة تأهيل المخزونات السوفيتية
رغم التركيز على الإنتاج الجديد، لا تزال روسيا تعتمد بشكل واسع على تحديث وإعادة تأهيل معداتها القديمة المخزنة منذ الحقبة السوفيتية. آلاف الدبابات وناقلات الجنود والعربات القتالية أعيدت إلى الخدمة بعد عمليات تحديث واسعة. ورغم تقديرات أوكرانية بأن موسكو استهلكت بين 50% و75% من تلك المخزونات، فإن استمرار عمليات التحديث يمنح روسيا مرونة إضافية لإطالة أمد الحرب.
طفرة في إنتاج الصواريخ الدقيقة
من أبرز عناصر الخطة الروسية إنتاج ما يقارب 2,500 صاروخ عالي الدقة خلال عام 2025، تشمل صواريخ إسكندر الباليستية والكروز، إلى جانب صواريخ كينجال الفرط صوتية. هذه الترسانة تمثل ركيزة استراتيجية في استهداف البنية التحتية الحيوية الأوكرانية، وتؤكد سعي موسكو لتطوير صواريخ بمدى أطول ودقة أعلى وقدرة تدميرية أكبر، بما يعزز خياراتها الهجومية ويقوض الدفاعات الجوية الأوكرانية.
التوسع في استخدام الطائرات المسيّرة
الطائرات بدون طيار باتت محورًا رئيسيًا في العقيدة العسكرية الروسية الجديدة. سكيبيتسكي أشار إلى زيادة ملحوظة في إنتاج مسيّرات “جيرن” و”هاربي” ومسيّرات FPV الانتحارية. هذه الأنظمة، التي أثبتت فعاليتها في استهداف الأهداف المتحركة والبنية التحتية بدقة منخفضة التكلفة، تعكس تحوّل روسيا إلى تكتيكات “الحرب الذكية” التي تعتمد على الكم والتنوع التكنولوجي في آن واحد.
دروس الحرب وإعادة تشكيل العقيدة القتالية
التحولات في أولويات الإنتاج العسكري الروسي تعكس دروسًا مستخلصة من المعارك الجارية. موسكو لم تعد تركز على الكم فقط، بل على تحسين الأداء النوعي: مدى أطول للصواريخ، دقة أكبر في الاستهداف، ورؤوس حربية أقوى. كما أن التركيز على ثلاث دبابات رئيسية ومدفعيات حديثة يعكس محاولة تقليل التشتت اللوجستي الذي أضعف الأداء الروسي في المراحل الأولى من الحرب.
تجاوز العقوبات والحفاظ على القاعدة الصناعية
رغم العقوبات الغربية الواسعة، يبدو أن روسيا نجحت في الالتفاف على بعض القيود والحفاظ على سلاسل الإمداد الحيوية لصناعاتها العسكرية. استمرار عمل مصانع الحقبة السوفيتية، وإن بطاقة أقل، منح موسكو ميزة فريدة سمحت لها بالحفاظ على خطوط الإنتاج وتطويرها تدريجيًا. هذه القدرة تعزز مخاوف الغرب من أن روسيا قادرة على خوض حرب طويلة الأمد دون انهيار صناعي وشيك.