تقارير التسلح

أستراليا تستثمر مليارات الدولارات لتحديث أحواض غواصاتها النووية

أعلنت الحكومة الأسترالية عن خطوة استراتيجية ضخمة تمثلت في تخصيص 12 مليار دولار أسترالي ما يعادل 8 مليارات دولار أمريكي لتحديث مرافق أحواض بناء السفن وصيانتها، بما يتيح استيعاب أسطولها المستقبلي من الغواصات العاملة بالطاقة النووية. هذه الخطوة تأتي في إطار التزامات أستراليا تجاه اتفاقية “أوكوس” التي أبرمتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد لمواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة. الاستثمار، الذي سيمتد لعشر سنوات، يركز بالأساس على تطوير مركز هندرسون البحري في مدينة بيرث غربي البلاد، ليصبح قاعدة متقدمة للصيانة والبناء، بما يضمن جاهزية البحرية الأسترالية لمرحلة جديدة في تاريخها العسكري.

 

استثمار دفاعي طويل الأمد

 

أكد وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس أن هذا الاستثمار “الكبير جدًا” سيمتد لعشر سنوات متواصلة، وسيخصص بالكامل لتطوير مرفق بناء وصيانة السفن في بيرث. وأوضح أن الخطة تأتي ضمن رؤية استراتيجية واسعة تهدف إلى تجهيز أستراليا بأحدث البنى التحتية البحرية، بما يتماشى مع التحولات العسكرية العالمية، خصوصًا في مجال الغواصات النووية. ويُنظر إلى المشروع باعتباره استثمارًا دفاعيًا طويل الأمد، يضع البلاد في موقع أكثر قوة أمام التحديات الأمنية المستقبلية، ويعزز قدرتها على الاعتماد على الذات في دعم وصيانة أسطولها البحري المتنامي.

 

اتفاقية أوكوس وأبعادها الاستراتيجية

 

يرتبط هذا المشروع ارتباطًا وثيقًا باتفاقية “أوكوس” الموقعة بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، والتي تنص على نقل تكنولوجيا متقدمة للغواصات النووية إلى كانبيرا. وبموجب هذه الاتفاقية، من المقرر أن تحصل أستراليا على ثلاث غواصات أمريكية من طراز “فيرجينيا” خلال 15 عامًا. غير أن الاتفاق لا يقتصر على الشراء فحسب، بل يشمل أيضًا دعم القدرات الصناعية المحلية لتطوير قدرة أستراليا على تصنيع غواصاتها الخاصة مستقبلًا. ويمثل ذلك تحولًا كبيرًا في توجهات السياسة الدفاعية الأسترالية، من الاعتماد على الاستيراد إلى بناء قاعدة إنتاج وصيانة متكاملة محليًا.

 

تطوير مركز هندرسون البحري

 

أوضحت الحكومة أن مركز هندرسون في بيرث سيكون القلب النابض للمشروع، حيث يجري العمل على تجهيزه بأحواض جافة عالية الأمان، مصممة خصيصًا لصيانة الغواصات النووية. إلى جانب ذلك، سيتضمن المركز مرافق متطورة لبناء أنواع أخرى من السفن، منها سفن الإنزال البحرية والفرقاطات من طراز “موجامي” اليابانية. هذه التطويرات ستجعل من هندرسون مركزًا إقليميًا متكاملًا لبناء وصيانة مختلف الوحدات البحرية، وتمنح أستراليا مكانة متقدمة في مجال الصناعات العسكرية البحرية، بما يتجاوز مجرد الاعتماد على الحلفاء الخارجيين.

 

كلفة المشروع وآفاقه المستقبلية

 

قدّر وزير الدفاع أن الكلفة الإجمالية لتطوير مركز هندرسون الدفاعي قد ترتفع في نهاية المطاف لتصل إلى نحو 25 مليار دولار أسترالي. ورغم ضخامة هذا المبلغ، ترى الحكومة أن العائد الاستراتيجي المترتب عليه يفوق الكلفة المادية بكثير، إذ يضع أستراليا في مسار جديد يعزز استقلاليتها الدفاعية ويقوي شراكاتها الدولية. كما أن هذه الاستثمارات الضخمة تفتح الباب أمام فرص صناعية واقتصادية محلية، بما في ذلك خلق آلاف الوظائف في قطاع الصناعات الدفاعية، وتطوير مهارات تقنية متقدمة ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني بشكل عام.

 

أستراليا ترسم ملامح قوتها البحرية المستقبلية

 

تحولت أستراليا عبر هذا القرار إلى لاعب أكثر فاعلية في الأمن الإقليمي، معززة قدراتها البحرية بما يتماشى مع بيئة استراتيجية تتسم بالتوتر والتغير السريع. الاستثمار في أحواض الغواصات النووية لا يمثل مجرد تحديث للبنية التحتية، بل هو رسالة واضحة على التزام كانبيرا بمستقبل يعتمد على القوة البحرية المتقدمة والتحالفات الدولية القوية.

اقرأ أيضاً

الجامعة العربية: ضغوط دبلوماسية لحشد الاعتراف بالدولة الفلسطينية

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى