الوكالات

من «تيجاس» إلى «سudarshan Chakra».. شراكة دفاعية متصاعدة بين الهند وإسرائيل

بينما تواجه الصناعات الدفاعية الإسرائيلية حملة مقاطعة واسعة من عدة دول أوروبية بسبب الحرب في غزة، تفتح الهند أبوابها لتوسيع تعاونها العسكري مع تل أبيب. ففي الوقت الذي ألغت فيه إسبانيا وسلوفينيا وألمانيا صفقات سلاح كبرى، ومنعت معارض دولية مثل “معرض باريس للطيران” و”IDEX 2025″ في أبوظبي مشاركة إسرائيل، وجدت تل أبيب في نيودلهي شريكًا استراتيجيًا جاهزًا لتعويض خسائرها. لا يقتصر التعاون على استيراد الأسلحة فحسب، بل يشمل تصنيعًا مشتركًا وتطوير أنظمة معقدة، ما يعكس تحوّل الهند إلى الوجهة الأولى للصادرات الدفاعية الإسرائيلية. هذا التحول يرسم ملامح معادلة جديدة في سوق السلاح العالمي، حيث يتراجع الحضور الإسرائيلي في أوروبا مقابل صعوده في آسيا عبر بوابة نيودلهي، بما يحمله ذلك من انعكاسات جيوسياسية واقتصادية وعسكرية بعيدة المدى قد تعيد صياغة موازين القوة الإقليمية والدولية خلال العقد المقبل.

 

تراجع السوق الأوروبية أمام الأسلحة الإسرائيلية 

 

خلال السنوات الأخيرة، واجهت الصناعات الدفاعية الإسرائيلية ضربات متتالية من الأسواق الأوروبية التي كانت تمثل أكبر مشترٍ لمنتجاتها. إسبانيا ألغت صفقة صواريخ مضادة للدبابات بقيمة 325 مليون دولار، بينما فرضت سلوفينيا حظرًا كاملًا على تجارة السلاح مع تل أبيب. أما ألمانيا، فجمّدت صادراتها الدفاعية خشية استخدامها في العمليات العسكرية ضد غزة. هذه القرارات مجتمعة تعني فقدان إسرائيل أكثر من نصف صادراتها الدفاعية التي كانت تتجه إلى أوروبا بحلول عام 2024. ومع إغلاق هذه الأبواب، تراجعت مكانة إسرائيل في سوق السلاح الغربي، واضطرت للبحث عن بدائل جديدة تضمن استمرارية مبيعاتها وتوازن صادراتها الدفاعية.

 

الهند تتحول إلى الوجهة الأولى للصادرات الإسرائيلية

 

تشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI إلى أن الهند استحوذت على 34% من صادرات السلاح الإسرائيلية بين 2020 و2024، متقدمة على الولايات المتحدة التي حصلت على 13% فقط. هذا التحول جعل نيودلهي الوجهة الأولى عالميًا لتل أبيب في مجال التسليح. ويتميز التعاون بين البلدين بأنه لا يقتصر على الاستيراد، بل يمتد إلى مشروعات تصنيع مشترك تتيح للهند تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية وتقليل اعتمادها التقليدي على روسيا والولايات المتحدة. هذا النموذج ينسجم مع سياسة “صُنع في الهند” التي أطلقها رئيس الوزراء ناريندرا مودي لتعزيز الاكتفاء الذاتي وزيادة القدرات التكنولوجية الوطنية.

 

الطائرات «تيجاس» مثال حي على التعاون التقني

 

يُجسد برنامج الطائرة المقاتلة الخفيفة الهندية “LCA Tejas” نموذجًا بارزًا للتعاون الدفاعي بين نيودلهي وتل أبيب. فقد ساهمت شركات إسرائيلية في تزويد الطائرة برادارات متطورة من طراز EL/M، إضافة إلى أنظمة استهداف دقيقة وصواريخ جو-جو مثل Python-5 وDerby، فضلًا عن خوذ عرض رقمية أنتجتها شركة “إلبيت”. هذا الدمج بين التصميم الهندي والتكنولوجيا الإسرائيلية جعل من “تيجاس” مشروعًا يعكس التكامل الصناعي والعسكري بين البلدين. وبالنسبة للهند، فإن الاعتماد على أنظمة إسرائيلية في مقاتلة وطنية يعزز استقلالها عن الغرب وروسيا، ويمثل خطوة مهمة في مساعيها للتحول إلى قوة عسكرية مكتفية ذاتيًا.

 

مشروع «سudarshan Chakra».. درع متعدد الطبقات

 

يتعاون الجانبان أيضًا في مشروع ضخم لتطوير نظام دفاع جوي متكامل يعرف باسم “سudarshan Chakra“، والمتوقع دخوله الخدمة بحلول عام 2035. يقوم المشروع على دمج صواريخ “باراك-8″، التي طورتها الصناعات الجوية الإسرائيلية بالتعاون مع منظمة البحث والتطوير الدفاعية الهندية DRDO، ضمن شبكة وطنية متقدمة. أثبتت هذه الصواريخ فعاليتها على سفن البحرية الهندية ووحدات الجيش، وأصبحت جزءًا من منظومة أوسع تشمل أنظمة “أكاش” المحلية و”S-400″ الروسية. هذا الدمج يهدف إلى بناء درع متعدد الطبقات يحمي المجال الجوي الهندي من التهديدات المختلفة، ويوفر للجيش قدرات دفاعية نوعية.

 

تصنيع مشترك للمسيّرات والذخائر الذكية 

 

امتد التعاون الدفاعي إلى مجال الطائرات المسيّرة والذخائر الذكية، حيث يجري تصنيع طائرات “Hermes 900″ و”SkyStriker” الإسرائيلية داخل الهند عبر شراكات مع شركات مثل “أداني” و”إلبيت”. كما اعتمد سلاح الجو الهندي أنظمة “SPICE” الإسرائيلية لتوجيه القنابل بدقة عالية، وأدخل صواريخ “Crystal Maze 2” بعيدة المدى ضمن ترسانته بعد دمجها على طائرات “سو-30″ و”ميغ-29”. هذا التعاون لا يزود الهند بمعدات متقدمة فقط، بل يساهم في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المحلية، ما يدعم استراتيجيتها لبناء قاعدة صناعية عسكرية وطنية منافسة في الأسواق العالمية خلال المستقبل القريب.

 

الأنظمة المضادة للدبابات والدفاع النشط 

 

لم يقتصر التعاون بين نيودلهي وتل أبيب على الجو والبحر، بل شمل أيضًا المجال البري. فقد وقّع الطرفان اتفاقيات لإنتاج صواريخ “Spike” المضادة للدبابات محليًا، مما يضمن للهند اكتفاءً ذاتيًا في هذا المجال. كما اتفقا مؤخرًا على دمج نظام الحماية النشط “Trophy” الإسرائيلي على دبابات “أرجون” و”T-90″ الهندية. هذا النظام يوفر حماية فعالة ضد المقذوفات المضادة للدروع ويزيد من قدرة الدبابات على البقاء في ساحات القتال. تمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في تطوير قدرات القوات البرية الهندية، وتعكس التوجه الاستراتيجي نحو تحديث شامل للمعدات الدفاعية المحلية.

التعاون الدفاعي شمل البر أيضًا عبر صواريخ “Spike” ونظام “Trophy” للدبابات

 

مكاسب إسرائيل من السوق الهندية 

 

تمثل الهند بالنسبة لإسرائيل شريانًا استراتيجيًا في وقت تواجه فيه الأخيرة عزلة متزايدة في الأسواق الأوروبية والخليجية. فالهند لا تكتفي بشراء السلاح، بل تستثمر في مشروعات طويلة الأمد تضمن استمرارية الطلب على التكنولوجيا الإسرائيلية لسنوات قادمة. هذا التعاون يعزز قدرة إسرائيل على الحفاظ على مكانتها كمورد تكنولوجي رئيسي، ويمنحها فرصة للتوسع في السوق الآسيوية وموازنة النفوذ الروسي والصيني. كما أن وجود شريك بحجم الهند يتيح لإسرائيل تنويع مصادر دخلها الدفاعي، ويؤمن لها شبكة تحالفات أوسع تساعدها على تجاوز آثار المقاطعة الغربية الراهنة.

 

البعد الجيوسياسي للشراكة 

 

تتجاوز العلاقة الدفاعية بين الهند وإسرائيل حدود السلاح لتشكل بعدًا جيوسياسيًا مهمًا. فمن جانب، تمنح إسرائيل الهند التكنولوجيا المتقدمة التي تعزز مكانتها كقوة عسكرية إقليمية صاعدة في آسيا. ومن جانب آخر، توفر الهند لتل أبيب حليفًا استراتيجيًا في جنوب آسيا يكسر جزءًا من عزلتها المتزايدة في الغرب. هذه العلاقة قد تثير قلق بعض الدول العربية والإسلامية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع نيودلهي، خاصة في ظل استمرار الحرب في غزة. ومع ذلك، تراهن الحكومتان على أن المكاسب الاقتصادية والعسكرية ستتغلب على هذه التحفظات في المستقبل القريب.

 

مستقبل العلاقة الدفاعية بين نيودلهي وتل أبيب 

 

تشير المؤشرات إلى أن التعاون الدفاعي بين الهند وإسرائيل سيواصل توسعه في السنوات المقبلة، مع خطط نيودلهي لتعزيز قدراتها الذاتية بحلول 2035. ومن المتوقع إدماج المزيد من التكنولوجيا الإسرائيلية في الصناعات العسكرية المحلية، سواء في أنظمة الدفاع الجوي أو الطائرات المسيّرة أو الذخائر الذكية. بالنسبة لإسرائيل، تمثل السوق الهندية بديلًا حيويًا يعوض خسارتها للأسواق الأوروبية، ويمنحها حضورًا دائمًا في آسيا. أما بالنسبة للهند، فإن الشراكة تمنحها استقلالية استراتيجية عن روسيا والولايات المتحدة. وهكذا، يعيد هذا التعاون رسم خريطة التوازنات العسكرية العالمية.

اقرأ أيضاً

ترامب وتسييس القضاء: أزمة جديدة تهدد استقلال العدالة الأمريكية

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى