الاقتصاد

إدارة ترامب تعيد رسم خارطة النفوذ الصناعي الأميركي وتدافع عن أمن سلاسل التوريد الحيوية

في تحوّل ملحوظ عن السياسات الاقتصادية التقليدية، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تعزيز دور الدولة في الصناعات الاستراتيجية من خلال التملك المباشر بدلاً من الاكتفاء بالدعم المالي أو التسهيلات الضريبية. وتهدف هذه الخطوة إلى تقوية قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة، لا سيما تلك القادمة من الصين، التي باتت تحتكر العديد من الموارد الحيوية مثل المعادن النادرة ومكوّنات أشباه الموصلات.

إعادة تقييم سياسات بايدن في ضوء المتغيرات الجيوسياسية

التحركات الجديدة تعكس مراجعة جذرية لسياسات إدارة الرئيس جو بايدن، التي ركّزت بشكل أكبر على دعم القطاع الخاص وتشجيع الابتكار من خلال الشراكات العامة–الخاصة. وترى إدارة ترامب أن هذا النهج لم يكن كافيًا لردم الفجوة المتسارعة مع الصين، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة. لذلك، يجري الآن الدفع نحو إعادة إحياء مشاريع كبرى تم تعليقها أو تخفيف أولويتها في عهد بايدن.

سلاسل التوريد… من هشاشة السوق إلى أمن قومي

أظهرت أزمة “كوفيد-19” هشاشة سلاسل التوريد العالمية، وخصوصًا في ما يتعلق بالمكوّنات التقنية والمعادن الصناعية. أدت تلك الأزمة إلى انكشاف اعتماد الولايات المتحدة على الموردين الأجانب، ما دفع إدارة ترامب إلى التعامل مع الملف من منطلق “الأمن القومي” وليس فقط من زاوية اقتصادية. ويشمل ذلك الاستثمار في مشروعات التعدين داخل الأراضي الأميركية، وإعادة تشغيل المصانع المحلية لإنتاج أشباه الموصلات، وتوفير مخزونات استراتيجية من المواد النادرة.

تعزيز الاستقلال الصناعي في مواجهة النفوذ الصيني

الصين تسيطر حاليًا على أكثر من 80٪ من سوق المعادن النادرة العالمية، ما يمنحها نفوذًا واسعًا في الصناعات المستقبلية كالبطاريات، السيارات الكهربائية، والأسلحة الذكية. وتشير إدارة ترامب إلى أن السماح لهذا الواقع بالاستمرار يشكل تهديدًا مباشرًا للهيمنة الأميركية الصناعية والعسكرية. لذلك، يتم الآن إعادة صياغة السياسات التجارية والصناعية بطريقة تضمن تقليل الاعتماد على بكين، من خلال تحفيز الإنتاج المحلي، وفرض قيود على استيراد المواد الحساسة، وتشكيل تحالفات توريد جديدة مع دول موثوقة.

دور الدولة يتوسّع في الاقتصاد الأميركي

على عكس التوجهات الليبرالية التي ميزت السياسة الاقتصادية الأميركية لعقود، تعكس الإجراءات الجديدة عودة قوية لدور الدولة كمستثمر مباشر وموجه للسوق. فبدلاً من تسهيل الظروف للسوق ليعمل بحرية، تتجه إدارة ترامب إلى التدخل المباشر في تحديد أولويات الاستثمار وتملك حصص في شركات تعتبرها استراتيجية. هذا التغيير قد يعيد تشكيل العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، ويثير تساؤلات حول حدود التدخل الحكومي ودور المنافسة في السوق الحرة.

تحديات التنفيذ وآفاق المستقبل

رغم الطموح الكبير، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة، على رأسها التمويل، وبناء القدرات التكنولوجية محليًا، والمقاومة السياسية من قبل المعارضين الذين يرون في هذا التوجه نوعًا من “التأميم المقنّع”. كما أن بناء سلاسل توريد جديدة يحتاج إلى سنوات من التخطيط والاستثمار، في وقت تتسارع فيه التطورات العالمية.

لكن في المقابل، يرى مؤيدو الخطة أن هذا المسار هو الوحيد الكفيل بالحفاظ على الريادة الأميركية، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، والتنافس الحاد مع قوى صاعدة مثل الصين.

اقرأ أيضاً:

“الفيدرالي الأميركي يبقي على حذره رغم توقعات خفض الفائدة”

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى