صحف وتقارير

اختبار نادر لمساءلة مجلس الإدارة: محاكمة “ميتا” تفتح الباب لمحاسبة الكبار

مساءلة تاريخية تهز "ميتا": هل تضع المحاكمة نهاية لهيمنة مجالس وادي السيليكون؟

في تطور قانوني غير معتاد في أوساط وادي السيليكون، تبدأ هذا الأسبوع محكمة الشركات في ديلاوير جلسات محاكمة مدنية ضد شركة “ميتا”، المالكة لفيسبوك، وسط اتهامات بأن مجلس إدارتها، وعلى رأسه مارك زوكربيرغ، يتحمل المسؤولية المباشرة عن فضائح الخصوصية التي كلفت الشركة مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة. الدعوى، التي رفعها ثلاثة مساهمين صغار، تتهم كبار مسؤولي الشركة بالتقاعس المتعمد عن الالتزام باتفاقات قانونية سابقة، وتقديم حماية غير مبررة لزوكربيرغ على حساب الشفافية والمساءلة.

 

القضية الأولى من نوعها في ديلاوير

تُعد هذه المحاكمة الأولى من نوعها التي تصل إلى القضاء في ولاية ديلاوير بشأن مسؤولية مجلس إدارة شركة تكنولوجية كبرى عن فضيحة تتعلق بالخصوصية. وعادة ما يتم إسقاط هذا النوع من الدعاوى مبكرًا، أو تسويتها بعيدًا عن الأضواء. لكن هذه القضية كسرت القاعدة، ونجحت في تجاوز طلب “ميتا” بإسقاطها، ما يعزز فرص فتح سابقة قانونية جديدة ضد مجالس الإدارة في وادي السيليكون.

 

قائمة الشهود تضم كبار المؤثرين

من بين الشهود الذين يُتوقع مثولهم خلال المحاكمة التي تستمر ثمانية أيام: مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لميتا، وشيريل ساندبرغ، المديرة التنفيذية السابقة، بالإضافة إلى شخصيات مثل مارك أندريسن، وبيتر ثيل، وريد هاستينغز، وجيف زينتس، مستشار بايدن السابق. جميعهم أعضاء حاليون أو سابقون في مجلس الإدارة، ويُواجهون تساؤلات حول قرارات مصيرية لم تخضع لمراجعة كافية، بحسب المدّعين.

 

الاتهام المركزي: تجاهل متعمّد لتحذيرات الخصوصية

تركز الدعوى على أن مجلس إدارة “ميتا” أخفق عمدًا في الالتزام ببنود اتفاق موقّع مع لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية عام 2012، يتضمن تعهدات صارمة بحماية بيانات المستخدمين. ويقول المدّعون إن هذا الفشل سمح لاحقًا بتسريب بيانات ملايين المستخدمين إلى شركة “كامبريدج أناليتيكا” في فضيحة هزّت صورة فيسبوك عالميًا.

 

تسوية الخمسة مليارات: لحماية زوكربيرغ؟

يؤكد المساهمون أن مجلس الإدارة وافق على دفع 5 مليارات دولار للجنة التجارة الفيدرالية في عام 2019 دون فتح أي تحقيق داخلي، وذلك في مقابل اتفاق اللجنة على إسقاط اسم مارك زوكربيرغ من لائحة الاتهام الرسمية. ويُنظر إلى هذه التسوية على أنها محاولة لحماية الرئيس التنفيذي على حساب الشفافية والمحاسبة.

 

ساندبرغ تحت ضغط إضافي بسبب حذف رسائل

في ضربة لخط الدفاع، قررت المحكمة فرض عقوبات على شيريل ساندبرغ بعدما ثبت حذفها رسائل بريد إلكتروني من حسابها الشخصي في “جيميل” بعد إخطارها بالقضية. وكانت ساندبرغ قد غادرت منصبها التنفيذي عام 2022، ثم انسحبت من مجلس إدارة الشركة في 2024.

 

منحدر قانوني جديد يهدد ديلاوير

يأتي هذا التحرك القضائي في وقت تشهد فيه ولاية ديلاوير ضغوطًا متزايدة من كبرى الشركات التكنولوجية، بعد سلسلة قرارات قضائية مثيرة للجدل، أبرزها إلغاء صفقة تعويضات ضخمة بقيمة 55 مليار دولار لإيلون ماسك. وقد أعلنت شركة “أندريسن هورويتز” بالفعل نقل تسجيلها إلى نيفادا، فيما تدرس “ميتا” خطوة مماثلة، ما يهدد مكانة ديلاوير كمركز تقليدي لقوانين الشركات في أمريكا.

 

معضلة “كارمارك”: مساءلة مجلس الإدارة عن إخفاقات الشركات

تندرج هذه القضية ضمن ما يعرف بدعاوى “كارمارك”، وهي دعاوى قانونية نادرة يتهم فيها المساهمون أعضاء مجلس الإدارة بعدم أداء واجبهم الرقابي بشكل كافٍ. ورغم أن المحاكم تميل تاريخيًا لرفض هذه الدعاوى لصعوبة إثبات نية التقصير، إلا أن نجاح المدّعين في تجاوز مرحلة رفض الدعوى يضع “ميتا” تحت ضغط قانوني غير مسبوق.

اقرأ أيضاً ترامب يصعّد تجاريًا.. وروسيا تعزز تحالفاتها شرقًا: العالم أمام موجة اضطرابات جديدة

مستقبل الحوكمة على المحك

يرى محللون أن ما يجري في المحكمة يتجاوز مجرد تسوية مالية أو نزاع داخلي، بل يمثل اختبارًا حقيقيًا لمستقبل الحوكمة في كبرى شركات التكنولوجيا. فالمساءلة القانونية عن فضائح الخصوصية قد تعني نهاية عصر الإفلات من العقاب في وادي السيليكون، وتُعيد صياغة العلاقة بين المساهمين والمجالس الإدارية في الشركات المدرجة.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى