فن وثقافة

رحيل أيقونة الأدب اللاتيني ماريو فارغاس يوسا الروائي الذي خاض غمار الأدب والسياسة

ارتحل الرجل الذي شكّل حجر زاوية في أدب أميركا اللاتينية

في يوم حزين من تاريخ الأدب العالمي، طوت السماء صفحة مشرقة من صفحات الإبداع برحيل الكاتب البيروفي العالمي ماريو فارغاس يوسا، أحد أعظم أعلام الأدب المعاصر. ارتحل عنا الرجل الذي شكّل حجر زاوية في أدب أميركا اللاتينية، وترك خلفه إرثًا أدبيًا لا يُقدّر بثمن. لقد كان رحيله صدمةً لمحبي الأدب والسرد، حيث فقد العالم أحد “السحرة العتيقين” الذين صنعوا مجد الرواية في القرن العشرين.

ماريو فارغاس يوسا (Mario Vargas Llosa)، وُلد في 28 مارس 1936 في مدينة أريكويبا، بيرو، وهو أحد أبرز أعلام الأدب اللاتيني المعاصر. يُعد من الأسماء اللامعة في “الجيل الأدبي اللاتيني” الذي لمع في الستينيات إلى جانب غابرييل غارسيا ماركيز وخوليو كورتاثار وكارلوس فوينتس.

نال فارغاس يوسا جائزة نوبل في الأدب عام 2010، وذلك تكريمًا لـ”تصويره لبنى السلطة، وتمرده، ورسمه الصارم للمقاومة الفردية والثورات والهزائم”.

نشأ يوسا في كنف عائلة مفككة، إذ انفصل والداه قبل ولادته. عاش طفولته مع والدته وجده من جهة الأم. انتقل في سنّ مبكرة إلى بوليفيا، ثم عاد إلى بيرو ليستقر في العاصمة ليما.

درس الأدب والقانون في جامعة “سان ماركوس الوطنية”، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد في إسبانيا. هذه المرحلة كانت حاسمة في تكوين رؤيته الأدبية والفكرية، وبدأ خلالها في كتابة المقالات والقصص القصيرة.

أبرز أعمال ماريو فارغاس يوسا

1. المدينة والكلاب (1963)

روايته الأولى، التي أثارت جدلًا واسعًا في بيرو بسبب نقدها الحاد للمدارس العسكرية. فازت بجائزة “بلانيتا” وأكدت مكانته كصوت أدبي جديد.

2. حفلة التيس (2000)

رواية تاريخية سياسية تستعرض دكتاتورية رافاييل تروخيو في جمهورية الدومينيكان. الرواية تعتبر من أبرز أعماله المتأخرة وأكثرها انتشارًا.

3. حرب نهاية العالم (1981)

ملحمة تاريخية تدور حول تمرد ديني في البرازيل خلال القرن التاسع عشر، وهي من أكثر أعماله تعقيدًا ونضجًا أدبيًا.

4. من قتل بالومينو موليرو؟ (1986)

رواية بوليسية تحمل طابعًا اجتماعيًا سياسيًا، تكشف الفساد والعنف الطبقي في المجتمع البيروفي.

الأسلوب الأدبي والمواضيع

تميز أسلوب ماريو فارغاس يوسا بالسرد متعدد الأصوات، والتنقل الزمني، والتقنيات السينمائية، واللغة الغنية بالصور والتفاصيل. عالج مواضيع متشابكة تتعلق بالسلطة، العنف، الجنس، الدين، الاستبداد، والصراع الطبقي.

وكان دائمًا ما يربط بين الرواية والواقع السياسي، متخذًا من الأدب وسيلة لفهم الواقع وتفكيك آليات القمع والهيمنة.

فارغاس يوسا والسياسة

لم يكن يوسا مجرد روائي، بل خاض الحياة السياسية بشكل مباشر. في عام 1990، ترشح لرئاسة بيرو كممثل للجبهة الديمقراطية، لكنه خسر أمام ألبرتو فوجيموري. هذه التجربة أثرت كثيرًا في رؤيته، وقد عبر عنها في العديد من مقالاته لاحقًا.

يوسا ناقد شرس للأنظمة الشمولية، سواء كانت يسارية أو يمينية. وعلى الرغم من انتمائه اليساري في شبابه، إلا أنه تبنى لاحقًا الفكر الليبرالي الديمقراطي، وكتب كثيرًا في الدفاع عن الحريات الفردية والسوق الحرة.

الجائزة الأسمى: نوبل للآداب

في عام 2010، حصل على جائزة نوبل في الأدب، وجاء في بيان الأكاديمية السويدية أن يوسا “رسم خرائط الهياكل السلطوية ومقاومة الأفراد، وصوّر بجرأة الثورات الاجتماعية والخيبات الجماعية”.

ويُعتبر فارغاس يوسا أحد أركان “الانفجار الأدبي في أميركا اللاتينية”، وقد تُرجمت أعماله إلى عشرات اللغات، وله تأثير واضح على العديد من الكتاب في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية.

اقتباسات خالدة من فارغاس يوسا

“الأدب هو كذب يقول الحقيقة.”

“الديمقراطية لا تعني فقط صندوق اقتراع، بل تعني حرية التفكير والقول والنشر.”

“الرواية الجيدة تُشبه العالم الحقيقي أكثر من العالم نفسه.

ماريو فارغاس يوسا ليس مجرد روائي، بل هو مثقف ملتزم، ومفكر سياسي، وفيلسوف سردي استطاع أن يحول الرواية إلى أداة لفهم الحياة وتغييرها. أدبه لا يزال مصدر إلهام للقراء والكتّاب حول العالم، ومسيرته تبرهن أن الكلمة قد تكون سلاحًا ضد القمع والظلم.
ماريو فارغاس يوسا: وداعًا لساحر السرد اللاتيني

 

 

نهي حمودة

نهى حمودة هي صحفية ومحررة أولى بقطاع الأخبار في الهيئة العربية للإعلام، تمتلك خبرة واسعة في العمل الصحفي والإعلامي. عملت في العديد من المواقع الإلكترونية، حيث قدمت تغطيات إخبارية وتحليلات متميزة، مما عزز مكانتها في المجال الإعلامي. تتميز بمهاراتها التحريرية وقدرتها على تقديم محتوى دقيق ومهني يعكس التطورات المحلية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى