الوكالات

قوة طمأنة أوروبية لأوكرانيا: الخيارات والتحديات المحتملة

تحليل صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)

أعلن رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا عن استعدادهما لتشكيل “تحالف للراغبين” بهدف تأمين وقف إطلاق النار المحتمل في أوكرانيا. ويبدو أن توصيف “قوة طمأنة” أو “قوة ردع” أكثر دقة من مصطلح “قوة حفظ سلام” في هذا السياق، نظرًا إلى أن أحد أدوار هذه القوة سيكون الرد على أي خرق روسي محتمل لاتفاق وقف إطلاق النار. ولتعزيز الأثر الرادع لهذه القوة، يجب أن تكون خيارات الرد العسكري محددة مسبقًا ومتفقًا عليها، مما يتطلب تصميمًا سياسيًا وعسكريًا واضحًا واستعدادًا للتحرك الحاسم عند الحاجة.

هيكل القوة المقترحة: ثلاث مستويات للانتشار

حدد تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) ثلاث خيارات رئيسية لتشكيل هذه القوة الأوروبية:

  1. قوة صغيرة النطاق
    تتكون من لواء بري يضم نحو 10,000 جندي، مدعومًا بعناصر جوية وبحرية محدودة. يمكن تنفيذ هذا الخيار بسهولة نسبيًا، خاصة إذا قادته فرنسا والمملكة المتحدة ضمن إطار القوة المشتركة للاستجابة السريعة (CJEF). رغم محدودية قدرتها على خوض عمليات قتالية عالية الكثافة، فإن مجرد وجود هذه القوة على الأرض قد يحقق أثرًا ردعيًا كافيًا.

  2. قوة متوسطة النطاق
    ترتكز على فرقة برية كبيرة قوامها نحو 25,000 جندي، مع دعم جوي وبحري أوسع. توفر هذه القوة قدرة أعلى على الردع والدفاع الذاتي مقارنة بالقوة الصغيرة، كما أنها قادرة على التصدي لتوغل روسي مماثل الحجم.

  3. قوة واسعة النطاق
    تعتمد على فيلق بري يتراوح قوامه بين 60,000 و100,000 جندي، مدعومًا بعناصر جوية وبحرية ضخمة. رغم أن عملية نشرها ستكون أبطأ، فإنها تمثل القوة العسكرية الأكثر مصداقية أمام موسكو.

التحديات الميدانية واللوجستية

يتزايد تعقيد المهمة كلما كبرت القوة الأوروبية المنتشرة، لا سيما في ظل غياب دعم أميركي مباشر. فبدون “داعم خلفي” من الولايات المتحدة، ستبرز الفجوات الأوروبية في القدرات العسكرية، خاصة في مجالات الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة (ISR)، والهندسة القتالية، والمدفعية الصاروخية، والتشويش على الدفاعات الجوية المعادية.

كما أن عملية تدوير القوات على المدى الطويل تفرض ضغطًا إضافيًا على الدول الأوروبية، خصوصًا تلك التي تشارك في مهام أخرى داخل القارة. ومع مرور الوقت، قد تبرز الصعوبات المرتبطة بتوليد القوة وتوفير الدعم اللوجستي المستمر.

الحاجة إلى توسيع المشاركة

للتخفيف من الضغوط المحتملة، يمكن توسيع قاعدة الدول المشاركة لتشمل حلفاء آخرين مثل كندا، أو شركاء أوروبيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ورغم أن هذا التوسع قد يزيد من تعقيدات القيادة والسيطرة، إلا أنه يمنح القوة بعدًا سياسيًا أوسع ويضفي شرعية أكبر على انتشارها.

القيود الوطنية وقواعد الاشتباك

في جميع السيناريوهات الثلاثة، تظل مسألة “القيود الوطنية” التي قد تفرضها بعض الدول على قواتها المشاركة عقبة رئيسية أمام فاعلية القوة. كما أن وضع قواعد اشتباك موحدة لجميع الدول المساهمة يُعد أمرًا ضروريًا، مع التوصل إلى توافق حول مستويات المخاطر المقبولة لدى كل طرف مشارك.

اختبار للإرادة الأوروبية

يمثل إنشاء قوة طمأنة أوروبية اختبارًا فعليًا لقدرة أوروبا على التحرك عسكريًا بشكل مستقل نسبيًا، في حال غابت المساهمة الأميركية المباشرة. فكلما كبرت القوة، زادت الحاجة إلى التماسك السياسي والعسكري الأوروبي، وزادت احتمالات التحدي الروسي لها، سواء من خلال هجمات مباشرة أو عبر أنشطة هجينة دون العتبة التقليدية للصراع المسلح.

وفي المجمل، تملك أوروبا القدرة المبدئية على تشكيل قوة طمأنة إلى أوكرانيا، إلا أن نجاح هذه المهمة سيعتمد على عاملين حاسمين: وجود غطاء أميركي داعم، والقدرة على الحفاظ على الوحدة السياسية والعملياتية ضمن التحالف الأوروبي المقترح.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى