تراجع الإجهاض الانتقائي للإناث وتحول عالمي في تفضيل جنس الأطفال
التحول الاجتماعي والثقافي في تفضيل جنس المولود وتأثيراته المستقبلية

يشهد العالم بهدوء تحولًا غير معلن في ظاهرة اجتماعية كانت مثيرة للجدل لعقود، وهو التراجع الكبير في الإجهاض الانتقائي بناءً على جنس الجنين، خاصة ضد الفتيات. بدأت هذه الظاهرة بالتفاقم في أواخر الثمانينيات مع انتشار أجهزة الموجات فوق الصوتية منخفضة التكلفة التي سمحت للعائلات بمعرفة جنس الجنين مبكرًا، ما دفع كثيرين إلى إجهاض الأجنة الأنثوية.
انخفاض عدد الفتيات “المفقودات” عالميًا
في عام 2000، بلغ عدد الفتيات المفقودات بسبب الإجهاض الانتقائي نحو 1.6 مليون على مستوى العالم. أما اليوم، فمن المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إلى حوالي 200 ألف فقط مع استمرار التراجع. هذا التغيير يعكس تحولًا ليس فقط في الأرقام، بل في المعتقدات والثقافات التي كانت تفضل الذكور لفترة طويلة.
آسيا نموذجًا للتحول في نسب الولادة
كانت نسبة ولادة الأولاد تتجاوز المعدلات الطبيعية في العديد من دول آسيا، حيث تصل النسبة الطبيعية إلى 105 أولاد لكل 100 فتاة. لكن في الصين والهند وكوريا الجنوبية، وصلت النسبة إلى مستويات مرتفعة، مثل 117.8 ذكرًا لكل 100 أنثى في الصين عام 2006. اليوم، عادت هذه النسب إلى المعدل الطبيعي في كوريا الجنوبية، وتراجعت في الصين والهند.
أسباب تراجع تفضيل الذكور
لا يقتصر التراجع في تفضيل الذكور على الأرقام فقط، بل يعكس بداية زوال تقاليد وأفكار قديمة ترى في الذكر قيمة أعلى. فقد كانت الفتيات تُعتبر جزءًا من عائلة الزوج ولا تعتمد عليهن العائلة في الشيخوخة، لكن هذه الأفكار بدأت تتلاشى تدريجيًا.
العواقب الاجتماعية لتفضيل الذكور
لم يؤثر التمييز ضد الفتيات فقط، بل أثر أيضًا على الذكور الذين وجدوا أنفسهم بلا فرص للزواج أو تأسيس أسرة، كما حدث في الصين مع ما يُعرف بـ”الفروع العارية”. هذا الحرمان دفع بعضهم إلى سلوكيات عنيفة وإجرامية، مما زاد من التوترات الاجتماعية والجرائم، وارتبط بارتفاع معدلات الاغتصاب واضطرابات مدنية.
ميل جديد نحو تفضيل الفتيات
على الرغم من عدم وجود إجهاض انتقائي ضد الذكور، تظهر مؤشرات على ميل متزايد لتفضيل الفتيات في بعض المجتمعات. في اليابان، يفضل الكثير من الأزواج إنجاب فتاة عندما يكون لديهم طفل واحد. وفي الدول الاسكندنافية والولايات المتحدة، تحاول الأسر التي أنجبت ذكورًا إنجاب فتاة لاحقًا، وبعضهم يدفع مبالغ أعلى لتبني فتاة.
أسباب تفضيل الفتيات حاليًا
يرى البعض أن الفتيات أسهل في التربية وأكثر تعاطفًا، بينما يخشى البعض الآخر من تحديات مستقبلية تواجه الذكور. إحصائيًا، 93% من السجناء هم من الذكور، والنتائج الأكاديمية للفتيان أقل من الفتيات. كما أن نسب الشابات الحاصلات على تعليم جامعي أعلى من الشباب في الدول الغنية.
قلق عالمي متزايد بشأن وضع الذكور
بدأت الأنظمة التعليمية والحكومات تتعامل مع أزمة الذكور. من المقترحات زيادة وجود المعلمين الذكور في المراحل المبكرة وتأخير دخول الفتيان إلى المدارس، بالإضافة إلى توفير تدريب مهني يجذب الذكور في مجالات نادرة التمثيل مثل التمريض، بهدف تقليل الفجوة التعليمية والاجتماعية بينهم وبين الإناث.
التكنولوجيا وتغيير خيارات الإنجاب
مع تطور التكنولوجيا، ستصبح القدرة على اختيار جنس الجنين أكثر سهولة، من خلال التلقيح الصناعي وتحليل الكروموسومات، رغم تكلفتها الحالية. كما تنتشر اختبارات الدم منخفضة التكلفة التي تحدد جنس الجنين في الأسابيع الأولى، مما قد يؤدي إلى تغيرات جديدة في نسب الولادة مستقبلاً.
احتمالات عالم بأغلبية نسائية
لو حدث خلل ديموغرافي بمزيد من النساء، قد لا تكون آثاره عنيفة كما في حالة فائض الذكور. لكن قد يؤثر ذلك على العلاقات العاطفية، حيث قد يزداد النفوذ النسبي للرجال في “سوق التزاوج”، مما قد يقلل رغبتهم في الارتباط الجاد.
خلاصه: احتفاء بحذر
التحول في اتجاه الإجهاض الانتقائي يشكل إنجازًا يستحق الاحتفال، ويدل على تقدم وعدالة أكبر في العالم. لكن يجب توخي الحذر، فكل تغير ديموغرافي يحمل تحديات جديدة تستوجب الاستعداد لها لتجنب تكرار أخطاء الماضي.