احترام ذاكرة الماضي لا يُبرّر تجاهل جرائم الحاضر وصمت المجتمع الدولي
مآسي اليوم تُرتكب أمام أعين العالم وسط تواطؤ بالصمت وعجز المنظمات الدولية

تُحيي أوروبا الأسبوع المقبل ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، من خلال تكريم ضحايا النازية، ومن بينهم آن فرانك، الفتاة اليهودية التي دوّنت في مذكراتها أهوال تلك الفترة. ورغم أهمية هذه المناسبات في إبقاء ذاكرة حيّة، إلا أنها يجب أن تدفعنا أيضاً للتفكير في ضحايا الحاضر؛ أولئك الذين يسقطون يوميًا في صراعات يعرفها العالم، لكنه يفضّل الصمت حيالها.
جرائم العصر تُرتكب على العلن والصمت تواطؤ
ما يميز فظائع الحاضر عن جرائم النازية هو أنها تُرتكب على مرأى ومسمع العالم، في زمن تُوثق فيه كل جريمة لحظةً بلحظة. وبرغم هذه الشفافية المؤلمة، يسود الصمت الدولي. هذا الصمت، حين يتكرر أمام الجرائم، يصبح مشاركة غير مباشرة في ارتكابها. والتاريخ لا يغفر لمن يقفون متفرجين.
من اليمن إلى غزة: قائمة مفتوحة من المجازر المنسية
من اليمن إلى الكونغو، مرورًا بغزة وميانمار وهاييتي والسودان، تتكرر المجازر بوتيرة لا تتوقف. ففي اليمن، راح ضحية غارة جوية 68 مدنيًا، معظمهم مهاجرون أفارقة، في مركز احتجاز بمدينة صعدة، دون دليل واضح من قبل الولايات المتحدة حول مزاعم استخدامها من قبل الحوثيين. في الكونغو، يُغتصب طفل كل نصف ساعة وسط تصاعد للعنف الجنسي. أما في هاييتي، فقد فشلت بعثة الأمم المتحدة في احتواء الفوضى، بينما يواصل جيش ميانمار القتل والتعذيب رغم الكارثة الطبيعية التي ضربت البلاد. وفي غزة، تجاوز عدد الضحايا المدنيين 52 ألفًا، في ظل حصار وتجويع مستمر. من سيخلّد ذكرى هؤلاء؟
شلل المنظومة الدولية وتراجع قدرة الأمم المتحدة
تمر الأمم المتحدة بأزمة عميقة وسط تضاعف النزاعات المسلحة خلال السنوات الأخيرة، وازدياد عدد المحتاجين للمساعدات إلى أكثر من 300 مليون شخص. تراجعت قدرة المنظمة نتيجة عجز مالي خطير، خاصة مع تخلّف الولايات المتحدة عن سداد 1.2 مليار دولار من مساهماتها. ومع تهديدات ترامب بوقف التمويل، بات تدخل المنظمة أكثر هشاشة. كما تراجعت المساعدات التنموية من دول كبرى مثل واشنطن ولندن، وغيبت الأجندات الغربية مبادرات لحل أزمات مثل حرب أوكرانيا، في ظل تصاعد الإفلات من العقاب.
الجماهير صامتة: هل هو لا مبالاة أم شعور بالعجز؟
لم تعد المجازر تحرك الشارع في الدول الغنية والمستقرة، ليس بسبب اللامبالاة فحسب، بل لشعور بالعجز أمام تكرار الكوارث. الحروب المعقدة دينيًا وعرقيًا لم تعد تثير حماسًا جماهيريًا كالزلازل أو الكوارث الطبيعية. وبحسب تقرير “Charities Aid Foundation”، تراجعت المملكة المتحدة إلى المرتبة 22 عالميًا في التبرعات رغم ضخامتها، فيما احتلت دول فقيرة مثل كينيا مواقع متقدمة في الكرم الإنساني.
الخلل السياسي.. أصل الأزمة العالمية
انهيار النظام العالمي لا تسببه الحروب بل يكشف عنها. جذور الفوضى الحالية سياسية في المقام الأول؛ نتيجة تفكك المؤسسات، صعود القوميات الشعبوية، وتراجع العولمة. كل ذلك ساهم في تفكيك النظام الدولي، في ظل انتشار العنصرية، الانعزالية، والانهيار الأخلاقي. الفظائع لم تعد ماضياً بعيداً، بل أصبحت مرآة حية لوضعنا الراهن، وربما أقرب إلينا مما نعتقد.