الصحة والتعليم

بين الشعور بالذنب والدعم المجتمعي: هل أكياس طعام الأطفال جريمة أم نجاة؟

حملة الانتقادات ضد الأمهات تكشف عن أزمة أعمق في توقعات التربية

في ظل تصاعد القلق المجتمعي من الأطعمة فائقة المعالجة، باتت أكياس طعام الأطفال في مرمى نيران الانتقاد. رغم احتواء بعض هذه المنتجات على نسب مرتفعة من السكر وقيمة غذائية مشكوك فيها، إلا أن تصويرها ككارثة صحية مستقبلية يبدو مبالغًا فيه. فدراسة من جامعة ليدز كشفت أن 41% من وجبات الأطفال تحتوي على مستويات غير مناسبة من السكر، و21% منها تفتقر للعناصر الغذائية. لكن هل هذا حقًا مفاجئ؟ لا يتوقع أحد أن يكون “كاسترد الموز” من هاينز بديلًا غذائيًا متكاملًا للموز الطازج. ورغم ذلك، تُصور هذه المنتجات كما لو كانت فضيحة وطنية.

القلق الصحي أم وسيلة جديدة لتأنيب الأمهات؟

كوني أمًا، أدرك تمامًا التحديات المتعلقة بصحة الأطفال من سمنة وتسوس أسنان إلى الكساح. نشأت على يد أم تعنى بالغذاء الصحي، وأُجيد الطهي بميزانية محدودة. نحن نميل في منزلنا إلى النظام النباتي ونُفضل العضوي، ومع ذلك لا يسعني إلا أن أرتاب من هذا الذعر الإعلامي. ففي كثير من الأحيان، تتحول هذه الحملات إلى أدوات لإدانة الأمهات، اعتمادًا على مزاعم غير مثبتة كأنّ شفاط الأكياس يؤخر النطق، أو أن الطعام المهروس يسبب انتقائية في الأكل. إنها محاولات لإحياء خطاب قديم: “عودي إلى المطبخ”.

تربية تحت ضغط: عندما يصبح الوقت عدوًا للأمهات

في واقع تُثقل فيه كاهل الأمهات بتوقعات “التربية المكثفة”، يُطالبن بإعداد الطعام يدويًا، وتدريب الأطفال بأنفسهن، وتلبية كل الاحتياجات دون كلل. وعندما يخترن حلاً بسيطًا كالأطعمة الجاهزة، يُصبّ عليهن النقد. لم أصادف أمًا تعتمد فقط على الأكياس، ولا أظن أن هناك من تعتقد أن المهروس الصناعي أفضل من الطعام المنزلي، لكن يُتجاهل أمر أساسي: ضيق الوقت، ونقص الموارد، والإرهاق المستمر.

الفطام الموجه: توجه تربوي أم فوضى غذائية؟

النهج الشائع اليوم في تغذية الأطفال هو “الفطام الموجه”، حيث تُقدَّم للطفل قطع طعام صلبة قبل نمو أسنانه، مما قد يشكل خطرًا. قُدِّم لي ذات يوم نصيحة بإعطاء طفلي عظمة دجاج ليمضغها، ثم اكتشفت أنها قد تسبب الاختناق. في هذا الجو من التوجهات المتطرفة، حتى الطعام المهروس المعدّ منزليًا أصبح “غير عصري”. أنا اخترت المهروس الجاهز أحيانًا، لأن طبيب الأطفال حذرني من مخاطر الاختناق، ولأني أحتاج للراحة والنوم والعمل. وهذا كان كافيًا.

هل الراحة للأمهات جريمة؟

اللجوء إلى كيس طعام جاهز لم يكن بدافع الكسل، بل بدافع النجاة. قالت لي إحدى الأمهات: “الأكياس أنقذتني في الأيام التي خرجت فيها من المنزل، لولاها لبقينا محبوسين”. يبدو أن أي وسيلة تسهّل حياة الأمهات تُقابل بالرفض، وكأن الأمومة الحقيقية هي تلك التي تُمارس في حالة دائمة من العطاء المرهق. الكاتبة وخبيرة التغذية لورا توماس تحدثت عن “عبء العمل الغذائي”، والذي يتضمن التخطيط، والشراء، والتحضير، والتنظيف، ويقع في الغالب على النساء. والانتقادات لا تأخذ في الحسبان الظروف الطبقية أو العرقية أو احتياجات الأطفال من ذوي الإعاقات.

رفض الذنب وإدانة الخطاب الفرداني

لو اخترت الشعور بالذنب لاستخدامي أحيانًا أكياس “إيلاز كيتشن”، لكنت وقعت في فخ خطاب نيوليبرالي يُحمّل الأفراد مسؤولية فشل المؤسسات. هذا الخطاب يستدعي حنينًا زائفًا لعصر الطعام المنزلي، متغاضيًا عن غياب بنية دعم حقيقية. أنا أحب الطبخ عندما تتاح لي الظروف، لكنني أرفض أن أُجبر على البقاء في المطبخ لأن المجتمع قرر أن هذه هي الأمومة المثالية.

الحل: تمكين الأمهات لا محاسبتهن

المطلوب ليس إدانة الطعام المهروس الجاهز، بل بناء مجتمع يدعم الأمهات ويوفر لهن خيارات غذائية حقيقية. يشمل هذا توفير إجازات أبوّة كافية، وحضانات في أماكن العمل، وورش طبخ مجانية، ودعم مالي مخصص للتغذية الصحية. يجب ألا تكون الأطعمة الجاهزة هي الملاذ الوحيد بسبب تكاليف المعيشة المرتفعة.

ابني… نتيجة مزيج واقعي من التغذية

اليوم، يبلغ ابني ثلاث سنوات، طويل القامة، يلتهم المأكولات الحارة ويستمتع بأنواع متعددة من الطعام. تربى على مزيج من حليبي، وحليب صناعي، وطعام منزلي، وأكياس جاهزة، وبسكويتات مغلفة. نحن من جيل نشأ على مزيج مشابه. بناء إنسان مهمة شاقة، ويستحق كل والد ووالدة بعض الرحمة. ففي بعض الأحيان، يكون القليل من السكر هو ما يمنحنا القدرة على الاستمرار.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى