ترامب يغيّر نبرته تجاه بوتين: هل بدأ الدعم الأمريكي لأوكرانيا يتخذ منحى جديدًا؟
ترامب عن بوتين في تصريح له: "نحن نتحمل الكثير من الهراء من بوتين... يتحدث بلطف دائمًا، لكن كلامه بلا معنى"

من التوبيخ العلني لزيلينسكي إلى السخط من بوتين، تغيّرٌ لافت في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء الحرب في أوكرانيا. لكن وراء هذه النبرة المتبدلة، لا تزال الأسئلة معلّقة: هل سيتحول هذا الغضب إلى دعم ملموس لكييف؟ أم أن الأمر لا يتجاوز مجرد ضغوط سياسية على الكرملين؟
يكشف هذا التحول الأخير عن تعقيدات العلاقة بين ترامب وبوتين، ويعكس – من وجهة نظر بعض المحللين – ضيقًا متزايدًا من تعنّت موسكو، دون أن يصل إلى حد تبني سياسة داعمة فعليًا لأوكرانيا.
“سترون شيئًا يحدث”… غضب ترامب يظهر للعلن
خلال حديثه من الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض صباح الجمعة، ردّ ترامب بجملة مقتضبة على سؤال حول هجوم روسي بطائرة مسيّرة استهدف مستشفى في أوكرانيا: “أعلم… سترون شيئًا يحدث”.
جاء هذا التصريح بعد أيام من مؤشرات متعددة على تحول في موقفه، أبرزها وعده بإرسال منظومات دفاع جوي “باتريوت” إلى أوكرانيا، والتلميح بفرض عقوبات جديدة ضد موسكو، بالإضافة إلى نبرة عدائية صريحة تجاه بوتين قال فيها:
“نحن نتحمل الكثير من الهراء من بوتين… يتحدث بلطف دائمًا، لكن كلامه بلا معنى”.
من لوم زيلينسكي إلى محاسبة بوتين
التحول الحالي في الخطاب يمثل قطيعة مع مواقف ترامب في بداية ولايته الثانية، عندما حمّل زيلينسكي مسؤولية استمرار النزاع، ووبّخه علنًا في المكتب البيضاوي. لكن تعثّر محادثات وقف إطلاق النار، التي سعى إليها ترامب كأولوية في السياسة الخارجية، يبدو أنه دفعه إلى تحميل موسكو مسؤولية الجمود.
بحسب كريستين بيرزينا من “صندوق مارشال الألماني”، فإننا نقترب من مرحلة جديدة من الضغوط على بوتين، رغم أن التنفيذ العملي لهذا التحول لا يزال محدودًا حتى الآن.
دعم جزئي لا يرقى إلى تحالف فعلي
يرى محللون أن نبرة ترامب الجديدة أقرب إلى رسالة تحذير لبوتين منها إلى تحول استراتيجي داعم لأوكرانيا. ماكس بيرغمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن علّق بالقول: “ترامب يشعر بأنه يُخدع من بوتين… لكن هذا لا يعني أن واشنطن ستتحول فجأة إلى حليف أوكراني كبير”.
ويذهب مسؤولون أوروبيون إلى أن إرسال أنظمة باتريوت، رغم أهميته الدفاعية، لن يغير موازين الحرب، ولن يمنح أوكرانيا قدرة هجومية حاسمة، في ظل غياب دعم سياسي وعسكري شامل.
زيلينسكي يتأقلم مع ترامب… بمساعدة أوروبية
يبدو أن الرئيس الأوكراني نجح – إلى حد ما – في تعديل استراتيجيته في التعامل مع ترامب، بعد مواجهة قاسية في المكتب البيضاوي. نصحه كل من الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ستارمر، بحسب مصادر مطلعة، باتباع نهج أكثر مديحًا لواشنطن وشكرًا دائمًا لدعمها، مهما كان محدودًا.
وهو ما تجلى في خطابه الأخير حين قال: “تلقينا إشارات سياسية إيجابية على أعلى مستوى من الولايات المتحدة وأصدقائنا الأوروبيين”.
مخاوف من افتقار إدارة ترامب إلى الاتساق
رغم هذه المؤشرات، تبقى إدارة ترامب متأرجحة في مواقفها تجاه أوكرانيا، وسط تشكيك داخلي عميق في جدوى استمرار الدعم، وميول غير تدخّلية بين فريقه للأمن القومي.
السيناتورة الديمقراطية جين شاهين قالت: “ما نراه هو غياب للاتساق في موقف الإدارة من الحرب، وما يجب فعله للضغط على روسيا وإنهاء الصراع”.
محادثات بلا نتائج… ولا تراجع من موسكو
في كوالالمبور، التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو نظيره الروسي سيرغي لافروف. ورغم الحديث عن “تغير في لهجة روسيا”، لم يخرج الاجتماع بأي نتائج ملموسة.
لافروف شدد على تمسك موسكو بمطالبها القصوى، وهي المطالب التي يصفها الخبراء بأنها “غير قابلة للتفاوض”، مثل الاعتراف بضم أراضٍ أوكرانية.
قراءة بوتينية: الغرب سينهار… فقط نحتاج إلى الصبر
يرى بعض المحللين أن بوتين لم يعُد يؤمن بإمكانية الوصول إلى تسوية مع واشنطن، ويُراهن بدلًا من ذلك على انقسام تدريجي في الموقف الغربي.
ألكسندر غابويف من مركز كارنيغي أوراسيا قال: “بوتين يرى أن لا فائدة من صفقة مع أمريكا الآن، لأنه يعتقد أن دعم الغرب لأوكرانيا سينهار تلقائيًا… ويبقى الميدان هو الحكم النهائي”.
خلاصة:
تحوّل ترامب في لهجته تجاه بوتين قد يُفسر كضغوط تكتيكية وليست استراتيجية، تهدف لتحسين موقعه التفاوضي، لا لإعادة توجيه بوصلة السياسة الأمريكية بالكامل نحو دعم أوكرانيا. وحتى إشعار آخر، تبقى كييف معلّقة بين تصريحات متقلبة وواقع ميداني لا يرحم.