الوكالات

ديناميكية جديدة في العلاقة بين ترامب ونتنياهو — تحليل مستند إلى صحيفة نيويورك تايمز

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دخلت مرحلة جديدة مليئة بالتوتر والتغيّرات الجذرية. فبعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، أصبح من الواضح أن الجهود الأمريكية للحفاظ على الهدنة قيدت حرية نتنياهو السياسية والعسكرية. ففي الوقت الذي منح فيه ترامب خلال ولايته الأولى مكاسب سياسية ضخمة لإسرائيل — من الاعتراف بالقدس عاصمة لها إلى دعم سيادتها على الجولان — تغيّر المشهد اليوم نحو علاقة يغلب عليها الإشراف الأمريكي بدلاً من الدعم المطلق. وتشير نيويورك تايمز إلى أن ترامب، الذي كان يُعتبر الحليف الأقرب لنتنياهو، بات الآن أكثر تشددًا في توجيه قراراته، بل وأجبره على تقديم اعتذارات علنية والقبول بخطط سلام لا تتماشى مع رؤيته السياسية. هذا التحول يعكس انتقال العلاقة من مرحلة التحالف المتكافئ إلى علاقة تعتمد على السيطرة والضغط السياسي من واشنطن على تل أبيب.

 من التحالف إلى الإشراف

توضح نيويورك تايمز أن نتنياهو كان خلال فترة ترامب الأولى يتمتع بدعم أمريكي غير مسبوق. فقد عززت قرارات ترامب مكانة إسرائيل عالميًا ورفعت شعبية نتنياهو داخليًا. لكن مع تجدد الصراع في غزة وفرض الهدنة، تغيّر الموقف الأمريكي جذريًا. أرسلت إدارة ترامب وفودًا رفيعة المستوى إلى القدس للتأكد من التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، وهو ما أطلقت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية مصطلح “رعاية بيبي” أو “Bibi-sitting”. هذا التحول من الدعم المطلق إلى الرقابة المباشرة يعكس رغبة واشنطن في ضبط تصرفات إسرائيل العسكرية والسياسية بما يخدم مصالحها الإقليمية، لا مصالح الحكومة الإسرائيلية فقط.

وقد أرسل السيد ترامب العديد من المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل منذ بدء وقف إطلاق النار، بما في ذلك نائب الرئيس جيه دي فانس، الثاني من اليمين، مع السيد نتنياهو.

 تصاعد التوتر وسياسة الإملاء الأمريكي

أشارت الصحيفة إلى أن غضب ترامب من نتنياهو ظهر بوضوح بعد الضربة الجوية الإسرائيلية ضد إيران رغم وجود وقف إطلاق النار. بل أجبر ترامب نتنياهو على الاتصال برئيس وزراء قطر وتقديم اعتذار رسمي عن عملية فاشلة ضد قيادات من حماس. وأوضح جاريد كوشنر أن ترامب شعر بأن الإسرائيليين تجاوزوا حدودهم وباتوا يضرون بمصالحهم على المدى البعيد. هذا الحدث شكّل نقطة فاصلة في العلاقة، حيث انتقلت واشنطن من مرحلة “الدعم الأعمى” إلى فرض الإملاءات العلنية. وأصبح ترامب يرى نفسه صاحب القرار النهائي في قضايا الشرق الأوسط، لا شريكًا يتشاور مع إسرائيل كما كان في السابق.

فلسطينيون يعودون إلى منطقة قريبة من مدينة غزة لتفقد منازلهم المدمرة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار هذا الشهر.

 السيطرة الأمريكية على ملف غزة

تؤكد نيويورك تايمز أن إنشاء مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي في جنوب إسرائيل يمثل خطوة عملية لترسيخ النفوذ الأمريكي. يضم المركز نحو 200 ضابط أمريكي يشرفون على سير الهدنة وتدفق المساعدات إلى غزة ومتابعة التحركات الميدانية. وعندما قررت إسرائيل مؤخرًا وقف دخول المساعدات، تدخلت واشنطن سريعًا وأجبرتها على التراجع خلال ساعات. هذا المشهد يعكس واقعًا جديدًا: إسرائيل لم تعد صاحبة القرار الكامل في شؤون غزة، بل باتت تتحرك ضمن إطار تفرضه الإدارة الأمريكية، في تحول واضح من “شراكة سياسية” إلى “وصاية ميدانية”.

البناء في مستوطنة جفعات زئيف، وهي مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية.

تراجع مكانة نتنياهو داخليًا

تكشف الصحيفة أن الرأي العام الإسرائيلي بدأ يدرك حجم التبعية الجديدة للولايات المتحدة، إذ أظهر استطلاع أن 48% من الإسرائيليين يرون أن بلادهم أصبحت “محميّة أمريكية”. وظهر نتنياهو في موقع الضعف حين اضطر لتكرار قوله إن “إسرائيل دولة مستقلة” في اجتماع وزاري. بعد أن كان يتحدى رؤساء أمريكيين مثل أوباما وبايدن، بات اليوم خاضعًا لتوجيهات ترامب. ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، يجد نتنياهو نفسه محاصرًا بين ضغط واشنطن وغضب الداخل، ما يجعل بقاءه السياسي رهينًا برضا الإدارة الأمريكية.

في عام 2021، شوهدت لوحات إعلانية تحمل صور السيد ترامب والسيد نتنياهو في أنحاء تل أبيب.

 مستقبل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب

بحسب تحليل نيويورك تايمز، فإن العلاقة بين ترامب ونتنياهو لم تعد مجرد علاقة شخصية بين زعيمين، بل تحولت إلى إعادة تشكيل شاملة لتوازن القوى بين البلدين. فترامب يستخدم نفوذه لإعادة رسم حدود الدور الإسرائيلي في المنطقة، بينما يحاول نتنياهو الحفاظ على مكانته دون خسارة الدعم الأمريكي. ويذهب بعض المحللين إلى أن استمرار ضعف نتنياهو قد يدفعه لتغيير مواقفه التاريخية، وربما قبول فكرة الدولة الفلسطينية كوسيلة للبقاء السياسي. وهكذا، فإن التحالف الذي كان يومًا رمزًا للوحدة السياسية بين واشنطن وتل أبيب أصبح اليوم نموذجًا للتبعية السياسية التي قد تعيد رسم ملامح الشرق الأوسط

إقرأ ايضَا:

محمود فرحان يكتب: حرب أكتوبر 1973.. المسرح الخفي بين السادات والاتحاد السوفيتي والتحول نحو الغرب

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى