الكرملين يستحضر تاريخ بطرس الأكبر لتبرير حرب طويلة الأمد في أوكرانيا
موسكو تلوّح باستمرار القتال لسنوات وترفض التنازل عن شروطها الأساسية

في أول محادثات مباشرة منذ ثلاث سنوات بين موسكو وكييف، لجأت روسيا إلى استحضار التاريخ كوسيلة ضغط سياسي، ملوّحة باستعدادها لخوض حرب طويلة الأمد كما فعلت في الماضي. وفي قصر دولما بهجة العثماني بمدينة إسطنبول، أشار رئيس الوفد الروسي، فلاديمير ميدينسكي، إلى مثال بطرس الأكبر الذي حارب السويد على مدار 21 عامًا حتى حقق النصر. وقال موجهًا حديثه للأوكرانيين: “نحن لا نرغب بالحرب، لكننا مستعدون للقتال عامًا أو اثنين أو ثلاثة… لقد حاربنا السويد 21 عامًا، فكم أنتم مستعدون للقتال؟”
شروط موسكو لا تزال ثابتة
هذا التصريح جاء في وقت بالغ الحساسية على المستوى الإقليمي والدولي، فيما تُصر موسكو على مطالبها الأساسية منذ بداية الغزو في عام 2022. وتشمل هذه المطالب انسحاب القوات الأوكرانية من الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا، تقليص قدرات الجيش الأوكراني، وضمان عدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو استضافة قوات غربية.
توظيف التاريخ لتبرير التوسع
يبدو أن موسكو تبني رؤيتها للصراع على قراءة انتقائية للتاريخ، حيث يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه امتدادًا لسلسلة القياصرة وسياسات التوسع الروسية. ففي عام 2022، شبّه بوتين غزوه لأوكرانيا بمحاولات بطرس الأكبر “استعادة أراضٍ روسية” من السويد. واليوم، يُعيد ميدينسكي تكرار هذه الرواية في سياق التفاوض.
مفاوضات بلا نتائج… وتحذيرات من التصعيد
لم تسفر المحادثات التي لم تتجاوز الساعتين عن أي تقدم يُذكر. وقد قوبل المطلب الأوكراني بوقف فوري لإطلاق النار بالرفض القاطع. والنتيجة الوحيدة كانت الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الجانبين. غير أن التصريحات الأبرز جاءت من الإعلامية الروسية المقربة من الكرملين، مارغريتا سيمونيان، التي أكدت أن موسكو هددت بتوسيع مطالبها لتشمل ثمانية أقاليم أوكرانية بدلاً من أربعة، إذا لم تُقبل شروطها الحالية.
حرب استنزاف طويلة… واقتصاد روسي في خدمة المجهود الحربي
تعتمد روسيا في استراتيجيتها الحالية على إرهاق خصومها عبر حرب طويلة الأمد. ويرى الاقتصادي الروسي المستقل فلاديمير إينوزيمتسيف أن موسكو لا تواجه حاليًا عقبات في تمويل الحرب، ويتوقع استمرار الإنفاق العسكري لفترة لا تقل عن 18 شهرًا إضافية. وأكد أن “تمويل العمليات العسكرية أصبح أولوية اقتصادية قصوى في روسيا”.
زيلينسكي بين الضغوط الغربية والواقع الميداني
على الجانب الأوكراني، يجد الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه في موقع صعب، بين ضغط الهجمات الروسية وضغوط حلفائه في الغرب، لا سيما الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي عاد إلى المشهد السياسي بتصريحات مثيرة عبر قناة فوكس نيوز قائلاً: “لن يحدث شيء قبل أن ألتقي بوتين شخصيًا”. وعلى الرغم من قبول زيلينسكي المشاركة في المفاوضات بعد تردد، لم يقابل ذلك بأي مرونة روسية.
رهانات أوكرانية على العقوبات… وتحذيرات من محدودية الأثر
ترى كييف في تهديدات ترامب بفرض عقوبات جديدة على موسكو وسيلة ضغط، إلا أن مراقبين يحذرون من أن العقوبات وحدها لن تكون كافية. ويشيرون إلى أن أوكرانيا بحاجة إلى دعم عسكري نوعي وسريع لمواجهة التصعيد الروسي المتزايد.
مواقف أوروبية باهتة رغم التحذيرات
شهدت بداية الأسبوع تحركات أوروبية بارزة، حيث زار أربعة من قادة أوروبا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، بولندا) العاصمة كييف، وأرسلوا إنذارًا لبوتين يدعوه إلى وقف إطلاق النار أو مواجهة عقوبات منسقة. لكن عقب فشل المفاوضات، تراجعت نبرة هذه الدول إلى تصريحات عامة تدعو إلى “تنسيق الجهود”، دون إجراءات ملموسة على الأرض.
تصعيد دموي روسي بعد المحادثات
ردّت موسكو على فشل المحادثات بأسلوبها المعتاد، إذ قصفت حافلة في منطقة سومي شمال شرقي أوكرانيا، ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين، في رسالة دموية تعكس موقفها الحقيقي من مفاوضات السلام.
خاتمة: صراع طويل الأمد في الأفق
أوضحت موسكو عبر هذه الجولة من المحادثات أن السلام ليس خيارًا مطروحًا حاليًا، بل وسيلة لربح الوقت وإعادة ترتيب الصفوف. ومع غياب ردّ أوروبي حازم وتذبذب الموقف الأمريكي، تظل أوكرانيا في مواجهة مفتوحة لوحدها، في حرب يبدو أن الكرملين لايمانع استمرارها… لعقود.